من مظهر كأنه طريد السماء في الأرض، بالإضافة إلى عناده وقلقه الفكري، وتشاؤمه وسخريته اللاذعة.
وقد يكون تأثير الكاتب من جهة أخرى غير جوانبه الشخصية، فتختفي في هذه الحالة العناصر الفردية، التي تحل محلها الاتجاهات العامة من الأفكار والنواحي الفنية، والأجناس الأدبية، ثم نواحي الصياغة والأسلوب، ويمكن أن نضرب مثل برؤساء المذاهب الأدبية مثل: "هيجو"، و"زولا"، ويلحق به بهم في نوع تأثيرهم "جوته" و"شكسبير"، وقد تأثر الأدباء العرب في العصر الحديث ألوانًا من التأثير بهذه المذاهب الأدبية المختلفة.
وقد يَقْتَصِر التأثير على المواقف الأدبية والموضوعات في جملتها، كتأثير الأدب الإسباني في الأدب الفرنسي في العصر "الكلاسيكي" والعصر "الرومانتيكي"، إذ أهدى الأدب الإسباني إلى نظيره الفرنسي موضوعات عامة، ومواقف أدبية تُحْتَذى، ولكن الأدباء الفرنسيين عالجوها مع ذلك بطرقتهم، وأضافوا إليها من ذات أنفسهم ما خرجوا به عن تفاصيل أصولها في الأدب الإسباني، ذلك أن التأثير ليس معناه أن يقلد المتأثر المؤثر، تقليد القرود، والببغاوات؛ بل إنه يمتص منه ما يحتاج إليه وما يراه نافعًا، أو ما يقتنع به، ثم يهضمه، ويتمثله في دمائه الفكرية والأدبية، فيخرج من ناحية أخرى شيئًا مختلفًا قليلًا أو كثيرًا رغم اتحاده مع المصدر المؤثر في الخطوط العامة أو في بعضها على الأقل.
وقد تجتمع لشخصية ما مظاهر كثيرة من التأثير في فترة واحدة، أو على فترات متعاقبة كما هو الوضع في أدب "شكسبير" وشعر "بايرون" مثلًا، إذ أثر "شكسبير" بموضوعات مسرحياته أولًا، ثم بنواحيه الفنية لدى المدرسة "الرومانتيكية" الفرنسية، أما "بايرون" فقد أثر بشخصه، وبمسرحياته، وآرائه في الأدباء الفرنسيين، من أهل المدرسة "الرومانتيكية" أيضًا.