وأورد أبو حيان التوحيدي في كتابه (الإمتاع والمؤانسة) حوارًا بين متى بن يونس، المتوفى سنة ثلاثمائة وثمان وعشرين هجرية، المترجم الذي كان متعصبًا لليونان وثقافتهم، وأبي سعيد السيرافي النحوي المشهور، المتوفى سنة ثلاثمائة وثمان وستين هجرية، ذكر فيه السيرافي على نحو غير مباشر عدة من المحاذير التي يمكن جدًّا أن تقع في الترجمة من لغة إلى أخرى، بل لا تكاد الترجمة تنفك منها، قال متى: يونان وإن بادت مع لغاتها، فإن الترجمة حفظت الأغراض، وأدت المعاني وأخلصت الحقائق.

قال أبو سعيد: إذا سلمنا لك أن الترجمة صدقت وما كذبت، وقومت وما حرفت، ووزنت وما جزفت، وأنها ما التاثت ولا حافت، ولا نقصت ولا زادت، ولا قدمت ولا أخرت، ولا أخلت بمعنى الخاص والعام، ولا بأخص الخاص ولا بأعم العام، وإن كان هذا لا يكون وليس هو في طبائع اللغات ولا في مقادير المعاني، فكأنك تقول: لا حجة إلا عقول يونان، ولا برهان إلا ما وضعوه، ولا حقيقة إلا ما أبرزوه.

وواضح من هذه النصوص مدى وعي علمائنا القدامى بأن المترجمين لا يمكنهم نقل الأصل على وجهه، الذي أبدعه فيه صاحبه إلى اللغة التي يترجمون إليها، مهما بذلوا وسعهم واستفرغوا كل جهدهم. أي: أنهم كانوا على علم بطبيعة الترجمة وحدودها، وأن ما يؤديه المترجمون لا يمكن أن يجيء مطابقًا للنص الأصلي، وهذا ما يعنيه الأوربيون حين يتحدثون عن صعوبة الترجمة، فيقولون على سبيل المجاز: " the Translator is a traitor " أو " Le Traducteur est un traître " أي: المترجم خائن، بمعنى: أنه من الصعوبة عليه بمكان الخلاص تمامًا من الأخطاء، مهما احترز وبذل من جهد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015