ففي عصر نظامي كان شيء من الفكر المادي الدنيوي يسيطر أيام ازدهار الأوضاع الاقتصادية، وبدء ظهور النزعات الإنسانية وصولًا إلى انتشار الدعوات الواقعية، التي تتعاطى مع شئون الحياة الدنيا.
أما في عصر جامعي فكان ثمة نقوص في اتجاه الغيبيات والصوفية كرد على ما انتاب الأمة من تفكك، وعلى ذلك الغرق السابق في الشهوات والدنيويات.
وإذا كان العملان قد لاقيا رواجًا واستحسانًا لدى أجيال متعاقبة من القراء في بلاد الشرق، فإن ما يجب لفت النظر إليه هنا هو أن التعامل العام معهما كان واحدًا حيث إن البعد الصوفي السماوي لقصيدة الجامعي ظل بعيدًا من تفسير القراء العاديين، ومن هنا تم التعامل معها دائمًا من منطلق شعبي كتطوير لغوي لا أكثر لقصيدة النظامي، ذلك أن لغة الشعر كانت قد تطورت حقًّا خلال المائتي عام التي تفصل بين زمن الأول وزمن الثاني.
ومع ذلك لم يغيب عن بالنا هنا أن القصيدة التي كتبها النظامي حظيت دائمًا بشهرة أكبر، وبقبول أعم لدى القراء الفرس، ونظامي اكتفى -كما أشرنا- بصوغ الحكاية كما هي في التراث العربي القديم، الشاعر الجاهلي قيس بن الملوح الذي سيلقب لاحقًا بالمجنون يعيش حبًّا رائعًا مع حبيبته البدوية مثله ليلى، وهو هنا عند نظامي ابن ملك من ملوك الجزيرة العربية؛ لكن انتمائه الملكي لم يسهل عليه الحصول على يدها؛ ذلك أن أهل ليلى كانوا يعيشون عداوة حادة مع أهل قيس؛ لذلك يرفضوا تزويجه ابنته؛ فيجن قيس ويشعر عداوة وألم شديدين، يدفعانه إلى محاولة اختطاف ليلى بالقوة، غير أن محاولته تفشل، فلا يكون كما هو حال الشنفرى وغير من الشعراء الهامشيين الصعاليك إلا أن يتوجه إلى الصحراء ليعيش فيها وحيدًا مع حيواناتها الضارية التي ستكون أكثر حنوًا عليه