"ودَخَل الحمام يومًا، وكان السكون فيه سائدًا؛ فأنشأ يتغنى فأعجبه صوته، فحدثته نفسه بأنه لا يجوز أن يبخل بنعمة صوته البديع على إخوانه المسلمين، فما أسرع ما خرج من الحمام قاصدًا الجامع، حيث صعد للمئذنة، وبدأ ينشد بعض التسابيح في ساعة آذان الظهر؛ فاستغرب المارة هذا الأمر، وكان صوته خشنًا مزعجًا؛ فناده أحدهم قائلًا: ويحك يا أحمق، ما لك تزعج الناس بهذا الإنشاد بصوتك المزعج، وفي مثل هذه الساعة؛ فأجابه من أعلى المئذنة: يا أخي، لو أن محسنًا يتبرع لي ببناء حمام فوق هذه المئذنة؛ لأسمعتك من حسن صوتي ما ينسيك تغريد البلابل".
"ورأى جحا في منامه أن شخصًا أعطاه تسعة دراهم بدلًا من عشرة كان يطلبها منه، فاختلفا ولما احتدم بينهما الجدال انتبه من نومه مذعورًا، فلم ير في يده شيئًا؛ فتكدر ولام نفسه على طمعها، ولكنه عاد فاستلقى في الفراش، وأنزل رأسه تحت اللحاف، ومد إلى المخصوم يده قائلًا هاتها تسعة ولا تزعل".
"توجه جحا مع أحد أصحابه إلى الصيد؛ فرأيا ذئبًا، وطمعا في فروته، فركضا ورائه إلى أن دخل جحرًا، فأدخل رجل رأسه كي يعرف مكن وجوده ويمكسه، فقطع الذئب رأسه، وجحا واقف بجانبه أكثر من ساعة، ولما رأى أن رفيقه لا يخرج سحبه إلى الخارج فشاهده من دون رأس؛ فافتكر في نفسه هل، كان معه رأس أم لا!! فعاد إلى البلد وسأل زوجة صديقه قائلًا: اليوم حين خروج زوجك معي، هل كان رأسه معه أم لا!؟ ".
"ورأته امرأته مرة يأكل تمرًا ولا يُخرج نواة، فقالت: ماذا تصنع كأني بك تأكل التمر بنواه؟ قال لها: طبعًا آكله بنواه؛ لأن البائع وزنه مع النواة، ولو أخرج نواه لما باعه بسبع بارات أما وقد أعطيته الثمن الدراهم بيضًا، فهل أرمي في الزقاق شيئًا اشتريته بدراهمي".