"أوفيت" الروماني في قصصه عن المسخ، ثم تناوله الشعراء والكتاب مختلفي الآداب، وخاصة من بريطانيا منذ الشاعر الإنجليزي "جون مارستون" في قصيدته: "نفخ الروح في صورة بج ماليون" ثم في ملهاة "وليام جولبرت" التي عنوانها "بج ماليون" وقد نشرت لأول مرة عام ألف وتسعمائة واثني عشر في لندن.

وتأثر الأستاذ توفيق الحكيم بالأسطورة اليونانية، وأول ما لفت نظره إليها كما يحكي هو لوحة شاهدها في متحف اللوفر بباريس، ثم عاد تذكيره بها فيلم عرض في القاهرة عن "بج ماليون" على حسب مسرحية "برنانتشو".

وفي المسرحية نرى جلالتها وهي رمز للخلق الفني الذي يهيم به خالقه أولًا، لا تلبث بعد أن ينفث فيه الإله الروح، أن تصبح رمزًا للمرأة في غرائزها الحيوية، التي تدفع إلى تفضيل الرجل على الفنان مشتغل عنها بفنه؛ فتهرب مع "مرسيس" المدلل المعجب بنفسه، ثم تثوب إلى رشدها، وتفيء إلى زوجها الفنان "بج ماليون" تستغفره عما فعلت، وتقر بعظمته التي تفوق -استغفر الله- عظمة الآلهة؛ لأنهم يخلقون الناس المشوبين بأنواع الضعف والقبح؛ في حين يخلق هو الجمال الخالد، وتقوم على خدمته كما تفعل الزوجات.

ولكن "بج ماليون" الفنان ينفر منها حين يراها تزاول أعمال البيت، وتحمل المكنسة؛ فتبعد بعملها عن شغلتها المثالية التي سمت بها في ذهنه، حين كانت تمثل الجمال الخالص، ويثور الفنان على رؤية المرأة في صورتها الواقعية؛ فيدعو الإله أن يَرُدّها تمثالًا عاجيًّا كما كانت، ثم ينهال عليها بالمكنسة، وأكبر الظن أن "بج ماليون" لم يُحطم تماثله لخيبة أمله المزعومة في المرأة فحسب، بل انتقامًا كذلك من التمثال الذي حرك بجماله غرائز الحياة في نفسه، فجعله يشتهي المرأة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015