وإلى جانب هذا، يجب أن يتتبع الدارس المقارن كل نوع وتطوره في لغتين أو أكثر، وأن يبحث العوامل التي أثرت في كل الآداب التي يراد دراستها، وقد يحاول الباحث المقارن دراسة جنس أدبي في أدبين فقط، وذلك كدراسة القصة الرومانسية الفرنسية، وتأثيرها في القصة العربية أو في أكثر من أدبين كدراسة القصة الرومانسية في الآداب الأوربية، ثم تأثيرها في القصة العربية خلال العصر الحديث، وعليه أن يأتي بالدليل على تأثر ذلك الكاتب، أو أولئك الكتاب بالجنس الأدبي موضوع الدراسة، وقد يصرح الكاتب نفسه بهذا التأثير، وعليه تكون مهمة التدليل، والبرهنة يسيرة على الباحث المقارن، كما هو الحال حين صرح "فيكتور هيجو" مثلًا بمحاكاة مسرح "شكسبير" الإنجليزي، أما إذا لم يصرح الكاتب بذلك، كما في محاكاة أحمد شوقي نفسه لـ"شكسبير" في مسرحيته "مصرع كليوباترا"، أو في تأثره عند إبداعه أشعاره التي ساقها على ألسنة الطير والحيوان بكتاب (كليلة ودمنة) لابن المقفع، ففي مثل هذه الحالات تكون مهمة الباحث المقارن صعبة.
ومما ينبغي معرفته طبقًا لما يقوله أساتذة الأدب المقارن أن يحدد الدارس مدى تأثر الكاتب الجنس الأدبي، وهل كان تأثرًا شاملًا أو جزئيًّا؟ ومن هنا يجب على الباحث المقارن دراسة حياة الكاتب، وظروفه الاجتماعية والنفسية، وكذلك مكوناته الفكرية والثقافية، وبالنسبة لدراسة الموضوعات الأدبية، كدراسة شخصية الملكة كليوباترا في الأدب الإنجليزي والفرنسي والعربي، فهذه الدراسة تحتاج من الباحث المقارن إلى جهد كبير يتطلب سعة في العلم، ومعرفة بخصائص الشعوب ونفسياتها.
ومن أكثر فروع الأدب المقارن انتشارًا دراسة تأثير كاتب معين في أدب أمة أخرى، وهذا التأثير قد يكون شخصيًّا أو فنيًّا أو فكريًّا، ولا مانع من دراسة أثر كاتب أو عمل معين في أمة من الأمم على كاتب أو أعمال إبداعية معينة من أمة أخرى، إذ يمكن مثلًا دراسة أثر "إبسن" أو "برناردشو" أو "برنادلو" أو "بخت" أو