ولم يسع "جوته" من خلال تشخيصه للشيطان أن يجعله محببًا للنفس، وأن يسوغ أفعاله على الإطلاق؛ لكنه ألجأ إلى أسلوب مختلف عما تعودناه من كيد الشيطان، إذ فضل "جوته" أن يَستخدم أسلوب الإقناع ليوضح به لقارئه أنه متى استطاع الإنسان المُطيع للشيطان إشباع شهواته؛ فإن سعادته زائلة، ومهما حصل عليه من مال فإنه لم يصبح غنيًّا، بل يظل صدره خاويًا من السعادة، وأنه لو ساعده الشيطان في تكوين أسرة؛ فإنّها ستزول في لمح البصر، وأنّ الخلاصَ لا يكون إلا باللجوء إلى الله الذي لا يصد من يطرق بابه، ولا يحرم من رحمته إلا من أبى.
وسواء كان الشيطان شرقيًّا أو غربي الطباع؛ فإنه يتخلى عمن تبعه كما جاء في قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (إبراهيم: 22).
ورد عن حسن مختار في مقاله سالف الذكر: أن "فاوست جوته" في قرارة نفسه ممزق بين عالمين متناقضين هما قوة الخير والقيم والإيمان من جهة، وقوى الشر ممثلة في الشيطان "مافيست" والرغبات والشهوات من جهة ثانية، وكما يمكن أن نتوقع يميل "جوته" ببصره إلى الشهوات الآنية، وإلى أن يُرَجّح الطرف الثاني في الرهان، دون الإعلان عن أنه الطرف الشرير؛ لأنّ أحكام القِيمَة غير محسوبة بالنسبة لصالح أي طرف كان. ولذا بدى العاجل الملموس طافيًا على السطح أكثر من أي شيء آخر.
كذلك فالنهاية السعيدة لمسرحية "جوته" هي واحدة من أكثر عناصرها أهمية؛ لأنها تقدم لأول مرة نهاية إيجابية لهذه الشخصية، عليه جرة العادة من الشر