وطيلة القرون الخمسة الماضية اتخذ "فاوست" بطلًا لمئات القصص والحكايات الشعبية، كما قدم على خشبة المسرح بأشكال مختلفة منذ "مارلو"، وحتى "جوته" و"بورفارلي" ومع مرور الوقت ترسخت الصورة حتى غدا "فاوست" شخصية نمطية، ورمزًا لحضارة الغرب بكل أحلامها وإنجازاتها وشرورها.

وغدا أيضًا في تاريخ الأدب والفن لوحة يهوي كل فنان عليها بفرشاته؛ فيصبغها بألوانه ليصبح بهذه الطريقة ظاهرة تستحق التأريخ والعودة إلى جذورها، ذلك أن "فاوست" كرمز أدبي وكفكرة يشبه من أوجه كثيرة كرة الثلج، فكلما تدحرج إلى الأمام مع التاريخ ازداد حجمه، وتحول إلى أسطورة، وحينما يتعلق الأمر بالأدب والإبداع يكون الأساطير معنى مميز أنها هي ملح الأدب.

ولعل "جوته" كما يقول أسامة أمين قد تأثر في رسمه لصورة الشيطان بالخلفية الدينية والثقافية التي كانت سائدة في عصره، إلّا أنه -كما ورد في مقال عصام بهيج في العدد المذكور من مجلة "الفصول"- قد استطاع أن يطفي عليها طابعًا مميزًا من نفسه وقدراته الفنية، ذلك أن "من ممفست" عند جوته هو الإيمان والتفاؤل، وتجسيد الروح السوية؛ فقليل ما هم الذين أمكنهم أن يهربوا من نظرة التهكمية المريرة.

وهو واقعي يؤكد الحقيقة وحاضر البديهة، وذكي يستمتع أشد الاستماع بعمل الشر، مما جعل من الشيطان شخصية متكاملة حية ذاتية الملامح، لا تلتبس بأي شخصية أخرى، ولعل هذا هو ما جعل لهذه الشخصية جاذبيتها الآسرة، التي لم يستطع كابت بعد "جوت" أن يتخلص منها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015