الواسع، لكنهم ليسوا بالضرورة صادقين، فحامل المكبر الوحيد المتهالك قد يكون أكثر صدقًا، والعبرة ليست أبدًا في كثرة الأصوات والضجيج الإعلامي المتقن، كما قال فيصل القاسم في مقال له على المشباك.

وكان "جوبلز" وزير الدعاية في ألمانيا النازية يردد الشعار التالي: "اكذبوا ثم اكذبوا، حتى تُصَدّقوا أنفسكم، أو حتى يعلق شيء في أذهان الجماهير". ومن قبل قال أحمد شوقي في مسرحيته "مصرع كليوباترا" عن الشعب وسهولة انقياده إلى الدعايات الكاذبة، وعدم قدرته من التثبت من أي شيء باستعمال العقل، وتَمحيص الأمور تمحيصًا علميًّا، بل عدم رغبته في ذلك: "يا له من ببغباء عقله في أذنيه".

وكان هتلر يرصد مبالغ طائلة للإنفاق على الإعلام، ويقول ما معناه: إنه لو كان لديه مائة دولار لصرف جملها على الدعاية، وأبقى القليل منها للأمور الأخرى.

فمن مسرحية "إبسن" "عدو الشعب" ومن الموقف التي اتخذه بطلها وظن أنه هو الموقف السليم الذي يوصل إلى النتيجة المبتغاه اعتمادًا على ما في ذلك الموقف من نية طيبة وغاية نبيلة خيرة، وعلى أن الجماهير لديها من العقل والحصافة ما تستطيع به أنْ تُميز الطيب من الخبيث، والخَير من الشر، والحقيقة من الوهم.

من هذا كله يمكننا أن نتنبه إلى أن الحياة ليست بهذه البساطة، وأنّ الانتصار في معركة الخير والشر لا تستند فقط إلى ما لدينا من نية نبيلة خيرة، من قياس القوة التي في أيدينا إلى تلك التي في أيدي خصومنا ودراسة الموقف جيدًا لتحديد الزمان، والمكان، والظروف التي نقرر فيها خوض المعركة، وإلا كانت العاقبة وبيلة على أهل الخير الذين يعملون للصالح العام، وأنه لا يكفي أن يحب الواحد منها الجماهير، ويعمل لمصلحتها، ويتفانى في الدفاع عن حقوقها، حتى تحبه الجماهير فهذان شيئان منفصلان؛ بل قد تكون العاقبة وخيمة كما رأينا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015