وأنّ الجماهير من السهل قلبها عليها في لحظات، وبث كراهيته في صدورها، وإيهامها أنهم حين ينقلبون عليه، إنّما يناضلون من أجل الحقيقة والمصلحة العامة.

وبشيءٍ من التفصيل نقول: تَروي المَسْرَحِيّة قصة طبيب يعيش في إحدى القرى التي يقصدها السياح للاستحمام في حماماتها العامة، وذات يوم يكتشف ذلك الطبيب أنّ الماء الذي يستحمون به ملوث، ويصيبُ من يستعمله بأمراض خطيرة؛ فيثِيرُ القضية في القرية رأفة بالناس، دون أن يدري أنه سيدخل في صراع مرير مع أصحاب المصالح من تجار وصحفيين ومنتفعين، أولئك المتحكمين بالأمور، الذين يجنون أرباحًا طائلة من التجارة بتلك المياه، فيشنون حملة مضادة ضد الدكتور "ستوكمان" مُتّهمين إياه أنه عدو الشعب.

وبفضل مكرهم ودهائهم وسطوهم يستطيعون تقليب السكان ضد الطبيب المسكين، ويَدْفَعُونه إلى الرحيل، بالرغم أنه صديق الشعب الحقيقي، على حين هم أصدقاؤه المزيفون، بل قل إنهم أعداءه الذين يجيبون في حقه، والسبب! السبب هو كما قلنا: أنّ الجموع ليس عندها وقت تنفقه في التثبت بما تسمع، بل تحركه عقلية القطيع، ومن السهل خداعه بالكلام المنمق والدعاية المزوقة، فضلًا عن أن مثل ذلك الطبيب هو شخص فرد في مواجهة عصابة كاملة، ونحن نعرف أن الكثرة تغلب الشجاعة.

ويمكن القول إنّ الدكتور "ستوكمان" في هذا المثال أشبه بشخص يحمل مكبر صوت واحدًا مُتهالكًا مُحاولًا بث الحقائق التي تحت يده، في حارة منعزلة ضيقة، لا يَقْطُنها إلا بضعة أفراد لا حول لهم ولا طول.

فيما الجهة المضادة للدكتور "ستوكمان" أشبه بقوافل تحمل ألوف المكبرات الصوتية الحديثة القوية ذات المدى البعيد، والمنتشرة في شتى بقاع المدينة، ولا شك أن حملة المكبرات الصوتية الكثيرة المتطورة سيكونون هم أصحاب التأثير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015