فموقف المسرحية إذًا يختلف عن موضوعها إذ الموضوع هو المادة التي تتنوع أشكالها على يد الكتاب والشعراء، في حين يكتسب الموقف العام طابعًا محددًا في المسرحية، به تتجاوز مجرد المشابهة السطحية في الموضوع مع مسرحية أخرى، وقد تتشابه المسرحيات في مواقفها العامة؛ فيكون هذا تشابه رباطًا فنيًّا أقوى من مجرد هذا التشابه السطحي في الموضوع، وهذا الرباط الفني المبني على التشابه في المواقف العامة، هو ما ينبغي أن يكون مجال اهتمام الدارسين في الأدب المقارن؛ لأنه المجال الخصب متوالد الصفات الأدبية الفنية بين الآداب المختلفة.

فمثلًا نرى في الموشحات عطيل شديد الشبه بمسرحية "فندر راسين" إذ الحُبّ في المَسرحيتين غير متكافئ، وتدفع الغيرة النساء على اغتيال المحبوب خطأً، وإعلام المحب القاتل بخطئه، فيدفعه الندم إلى الانتحار؛ فالشبه في الموقف العام بين المسرحيتين واضح، وهذا الشبه ناشئ عن صلة تاريخية بينهم.

والقضية العامة في المسرحية "فاوست" للشاعر الألماني "جوته" هي التردد بين العقل والقلب، ومنذ أول المسرحية نرى "فاوس" شقيًّا بعمله، لم يستطع به أن يذوقَ طعم السعادة أو لذة المعرفة؛ فييأس ويهم بالانتحار، ثم يتولد فيه الأمل في رؤية مباهج الربيع، ويأخذ في نشدان السعادة عن طريق إغناء مشاعره والانغماس في تجارب حيوية مختلفة الأنواع، يصاحبه فيها روح الشر "نفيس توفوليس".

وعلى بعد ما بين موضوع المسرحية السابقة، وموضوع مسرحية "شهرزاد" لتوفيق الحكيم، وعلى ما بين المسرحيتين من فروق في طريقة المعالجة وجوهرها؛ نرى القضية نفسها هي محور الموقف العام في مسرحية الأستاذ توفيق الحكيم، الذي يبدأ وقد شبع الجسد ومضى البقاء في حدود العاطفة، واشتاق إلى معرفة الحقيقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015