فإذا وازَنّا بين قصيدة البُحتري وقصيدة شوقي، غافلين عن الفرق الكبير بين موقف كل منهما، وحصرنا همنا في تشابه الموضوع في القصيدتين، كان لا بد أن تنتهي الموازنة إلى نتائج خاطئة؛ لأنّ مَوقِفَ شوقي أملى عليه صورًا عميقة المعنى جليلة الشأن، مُتّصلة بوجدان اجتماعي واسع النطاق، فاستمدت روعتها وعمقها من هذا الموقف الذي يندر مثله في الشعر العربي.

ولا تتضح دلالته العميقة إلا إذا اعتددنا بالموقف لدى كل من الشاعرين، على الرغم من أن شوقي قد تأثر بالبحتري في بعض الصور، وفي استلهام روح الموضوع العامة.

وقد غاب عن النقاد الذين وازنوا بين القصيدتين السابقتين معنى الموقف، كما غاب معنى الموقف كذلك عن قدامة بن جعفر حين قرر أن الرثاء والمدح شيء واحد، فقال: "ليس بين المعصية والمدحة فضل، إلّا أن يُذكر في اللفظ ما يدل على أنه لهالك، وهذا ليس يزيد في المعنى ولا ينقص منه".

وفي هذا الكلام غفلة تامة عن الموقف، إذ أنه على الرغم من أن الرثاء مدح لهالك؛ فالموقفان مُختلفان في البواعث النفسية، وما يترتب عليها من تخير المعاني، ومن طُرق الصِّياغة، ومن الشُّعور العام الذي يتجلى فيه طابع القصيدة.

وما ذكرنا الأمثلة السابقة وهي من باب الموازنات الأدبية في داخل الأدب الواحد، إلا ليتضح الفرق بين الموقف والموضوع، وليظهر الخطأ في الخلط كل منهما عند النظر إلى العمل الأدبي في ناحية الصور والصياغات الفنية.

وفي السطور السابقة نرى الدكتور محمد غنيمي هلال يفرق بين الموضوع والموقف؛ فالموضوع هو الأمر الذي يكتب الأديب عنه ويتخذه محورًا لإبداعه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015