نفسه من خلقه الأدبي، حينَ يسوغه في الشعر الغنائي، وهو الجنس الأدبي غير الموضوعي، وهذا الاختلاف الأخير يتوقف عليه جوهر البناء الفني للقصيدة، وهو في نفس الوقت دعامة تقويمها، والاعتداد بموقف الشاعر في هذه الحالة أهم وأجدى من الاعتداد بالموضوع الذي ينظم تجربته فيه.
ولنوضح ذلك بمثال يدخل في باب الموازنات الأدبية لا المقارنات، وذلك لنميز به الفروق في الموقف في الشعر الغنائي على الرغم من اتفاق الموضوع؛ فشَوقِي في وقوفه على الآثار في سِينيته الأندلسية، والبحتري في سنيته المشهورة في الوقوف على إيوان كسرى في المدائن، كِلَاهُما وقف على الآثار، ومن ثم اتحدا في الموضوع، ولكنهما مع ذلك مختلفان في الموقف، فموقف البحتري موقف النافر من المجتمع والناس حتى الأقارب، يرى هم أزمة وعيه النفسية في وجدان العظة بهذه الأطلال الدوارس، لقوم غير قومه، ويوصفهم فيها ويعرف لأهلها صنيعهم حين أيدوا ملك أجداده باليمن:
عمرت للسنون دهرًا ... فسارت للتعزي رباعهم والتأسي
فلها أن أعينها بدموع موقفات ... على الصبابة حبسي
ذاك عندي وليست الدار داري ... باقتراب منها ولا الجنس جنسي
غير نعمى لأهلها عند أهلي ... غرسوا من بكائها خير غرسي
أيدم الكنا وشد قواه ... بكماة تحت السنور حمسي
وأعانوا على كتائب ... بطعن على النحور ودعسي
أما شوقي؛ فإنه يوقف موقف المغترب عن وطنه الحبيب، يرزح تحت نير الأجنبي الدخيل، فهو يهرب في حلم خيالي، بأمجاد وطنه. ويستطرد من أثار الوطن ذكر