تفاهم بين بعضهم وبعض. كما تقوم بينهم وبين تراثهم وكتابهم الكريم حينئذ حواجز كؤود لا يسهل اختراقها ولا القفز فوقها إلا لقلة قليلة، وللعِلم؛ فإنّ العامية التي كتب بها "لويس عوض" كتابه ذاك هي عامية مصطنعة، غير التي نتحدث بها أو نعرفها، بل إنّها لأبعد عن تمثيل عقل صاحبها ونفسه من اللغة الفصحى التي يفتري عليها افتراءات، ويحسب أنه قادر على القضاء عليها.

وقد نُسي هذا الكتاب الثقيل الظل الآن، وأصبح في خبر كان، ورجع صاحبه من يومه إلى الفصحى في كل ما يكتب، وإن وضع كتابًا في أوائل الثمانينات يحاول فيه التشكيك في قدم اللغة العربية وأصالتها. وأقام توفيق الحكيم في ميدان التأليف المسرحي بمحاولة البحث عن أسلوب وسط بين العامية والفصحى، يُمكن أن يقرأ بهذه أو بتلك حسبما يريد القارئ، إذ قَرّب الأسلوب العامي على قدر المستطاع من مستوى الفصحى، نطقًا وتركيبًا، وكتب به مسرحيته "الصفقة" بحيث إذا أحب القارئ أن يقرأها بالعامية؛ فما عليه إلا أن يقلب القاف همزة، أو جيمًا قاهرية، والذال زالًا ويترك الإعراب، أما إذا تعامل معها على أنها من الأدب الفصيح؛ فليقرأها كما هي مكتوبة. وقد ذكر المؤلف في الخاتمة أنه إنما فعل ذلك للتقريب بين طبقات الشعب الواحد، وكذلك بين الشعوب العربية المُختلفة من خلال توحيده لأداة التفاهم بينها، قَدر الإمْكَان، لكن فاته أنّ العامية التي استخدمها في "الصفقة" وأراد التّقريب بينها وبين الفصحى إنّما هي إحدى العاميات المصرية التي لا أظن أحدًا من الكتاب المسرحيين العرب خارج مصر يستطيع استخدامها، أي أنه سيكون لدينا تجارب من هذا النوع بعدد الشعوب العربية على الأقل.

أيًّا ما يكن الأمر؛ فالذي يُهِمُّنا هنا هو: أنّ هَذا العمل المسرحي قد كُتب بلغة لم يسبق للعرب أن فكروا في استخدامها، في أي من إبداعاتهم الأدبية على كثرتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015