ومحمد المسعدي من تونس، وسعد الله ونوس من سوريا، أي أن هناك تيارين لغويين مختلفين في ميدان التأليف المسرحي. أما في ميدان القصص فثمة عدد من المؤلفين يزاوجون في أعمالهم بين الفصحى في السرد والوصف والتحليل، وبين العامية في الخبر بدعوى أن الناس لا يتحدثون في حياتهم اليومية بالفصحى؛ فكيف يصح أن ننطقهم بها في الرواية والقصص، وفاتهم أن الواقعية لا تعني نقل الواقع كما هو؛ لأن هذا مستحيل بل العبرة بالإيهام بذلك، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال الفصحى، والمهم أن يُحْسِنَ الكاتب تصوير شخصياته، والمطابقة بين مستواه الفكري والاجتماعي والنفسي، وبين لغتها فيجعل لغة العامة والخدم مثلًا أبسط من لغة الرؤساء والمثقفين، وهذا هو المحك الحقيقي لموهبة القصاص وبراعته، لا اللجوء إلى العامية التي نعرف كلنا أنها ليست عامية واحدة للعرب جميعًا، ولا في أي بلد على حدة بل ولا في أية مدينة، إذ هي تختلف باختلاف الأحياء والطبقات والأجيال كذلك.

وأين الكاتب الذي يجرؤ على زعم بأنه يعرف كل تلك اللهجات العربية بدقائقها وشياتها المختلفة، وعلى أية حال فإن استعمال العامية في الأدب العربي الآن مقصور على الأغاني، وعلى المسرح، وعلى الحوار القصصي. أما فيما عدا هذا فليس ثمة شيء يستحق الإشارة إليه، ومنه كتاب (مذكرات طالب بعثة) الذي ألفه "لويس عوض" في بريطانيا أيام أن كان يدرس هناك للحصول على درجة الدكتورية في الأدب الإنجليزي، وذلك رغبة منه في كسر رقبة البلاغة العربية -كما كان يقول- وهي غاية مريبة لا يترتب عليها إلا تفتيت العرب لغويًّا، مثلما تم تفتيتهم سياسيًّا؛ فلا يكون ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015