وقد ذكر الدكتور محمد غنيمي هلال أنّ جنس التاريخ عند العرب قد بدأ حول شخصية الرسول -عليه الصلاة والسلام- يُريد أن يقول: إنه أول تاريخ يكتبه العرب كان تاريخ الرسول -أي: السيرة النبوية- وهو ما يكرره وراءه الدكتور الطاهر أحمد مكي؛ لكنّي لا أذهب هذا المذهب، وأرى أن أول كتاب عربي عرض للتاريخ، بل عرض له وحلل ما حكى من وقائعه بأسلوب أدبي فخيم جليل، هو القرآن الكريم؛ فقد تحدث مثلًا عن عدد من الأمم السابقة وزعمائها، وأنبيائها، والناس العاديين فيها، وروى ما وقع منهم ولهم، وحكى كلامهم وبعض ما كان يجري من حوار بينهم، كما هو الحال في حديثه عن نوح وقومه، وما دار بين الطرفين من صراع استمر حتى بنائه -عليه السلام- السفينة، وركوبه وأتباعه إياها، وهطول الأمطار، وغرق الكافرين.
كما تحدث عن موسى وفرعون وقص ما جرى بينهما، بشيء غير قليل من التفصيل، مثلما تحدث عن يوسف ومصر في عهده، والعزيز وامرأة العزيز، والسّجن وما إلى ذلك، وقد صيغ ذلك كله صياغة أدبية فخمة سامقة؛ فكانَ القرآن بذلك ضمن أشياء أخرى كثيرة، وأوليات متعددة، أول كتاب يكتب التاريخ في العربية، فضلًا عن سبكه إياه في قالب أدبي شامخ. ولست بحاجة إلى أن أورد من القرآن شواهد على ما أقول، فكل الناس يعرفون هذا، ولا تعوزهم أمثلة عليه. ويلمس كاتب مادة "لستوار" في موسوعة "إنكارتا" الفرنسية طبعة ألفين وتسعة، يلمس المسألة من زاوية أخرى قائلًا: "إن الرسول هو الذي دفع المسلمين مبكرًا نحو دراسة التاريخ، وذلك من خلال ما بذلوه من جهود لتوثيق النص القرآني، وضمان صحة الأحاديث النبوية".