وإذا تناول المؤرخ أحداث فترة الخلفاء الراشدين وما بعدها، وكانت مصادر مادته من كتب الإخباريين ولا تتعلق بالعقائد والأحكام الشرعية؛ فهناك قاعدتان أساسيتان، يجب ألا يغفل عنهما المؤرخ المسلم، وهما: النزعة المذهبية الإخباري، فمن كان متعلقا بمذهب وفكرة معينة، فهو لا شك سيحاول أن يدخل جميع ما يخدم هذه الفكرة، ولم ينج من هذا الخطر إلا القليل.

ثم النزعة السياسية الإخباري، ويلجأ الإخباري في الغالب إلى تدوين الأحداث ووضعها بما يخدم نزعته السياسية، وردّ القائمين على هذه النزعة، وهُنا يَجِبُ على دارس التاريخِ أن يُحَدّد النزعة السياسية الإخباري الذي يُريد أن يأخذ منه، ومدى قربه أو بعده من الحاكم، ومدى صداقته وعداوته له، والعداوة كما نعرف حجاب حاجز عن الحقيقة؛ فلا يُسمع كل كلام الخصم في خصمه بل لا بد من التمحيص، وهذا يعني وجوب أن يكون الإخباري عادلًا.

11 - معرفة مناهج الإخباريين والمؤرخين القدماء: ونجعل الطبري مثالًا في هذا الجانب لأهميته، بوصفه مظهرا من أبرز مظاهر التاريخ الإسلامي في صدر الإسلام وما قبله. فعلى المؤرخ الحديث بصفة خاصة أن يعرف أن الطبري قد استخدم في تاريخه نفس منهج علماء الحديث في نقل الأخبار -أي: الإسناد- إلّا أنه اختلف معهم في أمر مهم، إذ لم يقم بتجريح رواة أخباره أو تعديلهم؛ فقد كان يعتقد أن رواية الأحداث التاريخية ليست في أهمية رواية الأحاديث النبوية، ولذلك لم يتشدد فيها تشدد رجال الحديث، بل ألقى العهدة في الخبر على راويه.

وذلك واضح في مقدمته التي قدم بها كتابه (تاريخ الأمم والرسل والملوك). التي يقول فيها: "فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015