وتعلق حبيبة البرقادية عن هذا اللقاء الأدبي بقولها: وهذا اللقاء التاريخي هو الذي يشرح أوجه الشبه الكبيرة بين المقامات وقصص الشطار في الأدب الإسباني.

وقد فضل الكتاب الإسبان أن ينسجوا على منوال قصص المقامات الواقعية عوض أن ينسجوا على منوال قصص الرعاة، واستطاعوا بعد جهد جهيد أن يقربوا بين قصصهم وواقع الحياة، وأثروا بذلك تأثيرًا كبيرًا في الآداب الأوربية، ثم إن المقامة حولت أنظار الأدباء من الجري وراء الخيال، وذلك بنسج قصص الحب والفروسية والرعاة إلى الواقعية وتقريب الفرد من المجتمع، ودعته ليفتح عينيه على واقعه، لذلك اتجه الكتاب الروائيون بإيحائها إلى التحدث عن أحوال المجتمع وظروف الأغمار من الناس، ثم أبدعوا روائعهم في هذا الاتجاه الواقعي، متناسين هذه الأحلام الهادئة التي كانوا يملئون بها قصصهم الخيالية.

وأول قصة من هذا النوع في الأدب الإسباني كان عنوانها (حياة لاسليو ومحنته) كما أن هناك من الباحثين مَن يثير تأثير المقامة في (الكوميديا الإلهية) لـ"دانتي"، إذ ليس من المعقول أن يكون هذا الكاتب بمعزل عن الثقافة العربية الإسلامية، وهو الملم بجميع نواحي الثقافة والمعرفة آنذاك، وقد درس الموضوع بمزيد من الجدية والعمق المستشرق الإسباني "بلاثيوس" في كتابه (المعتقدات الإسلامية حول العالم الآخر في الكوميديا الإلهية) وهو خلاصة دراسة استغرقت عشرين عامًا، وازن فيها المؤلف بين قصيدة "دانتي" من جهة وبين الكتب الدينية الإسلامية، وبعض الكتب الدينية العربية كالقرآن الكريم وكتب الحديث والتفسير والسيرة ومؤلفات المتصوفين، وانتهى المؤلف من دراسة كل هذا إلى القول بأن "دانتي" كان مطلعًا على كثير من نواحي الثقافة الإسلامية، وأنه استقى من هذا المنبع بعض الصور والمعلومات التي وردت في (الكوميديا الإلهية)، مما يتعلق بالبعث والحشر وخروج النفس ومشاهد الجنة والنار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015