وظهرت ترجمته عام ألف ومائتين وخمسة من الميلاد، وقد كان هذه المقامات رائجة كل الرواج لا بين العرب فحسب بل بين العبريين والمسيحيين أيضًا، ولهذا ترجموها إلى لغاتهم، وإذن فقد لقيت هذه المقامات حظًّا كبيرًا في أدب العرب في الأندلس، وغير معقول أن تظل مجهولة لدى كتاب الإسبان وقصاصيهم بعد ذلك، وهذا التلاقي التاريخي هو الذي يفسر وجوه التشابه الكثيرة الواضحة بين المقامات وجنس قصص الشطار في الأدب الإسباني.
وقد آثر كتاب الأسبان أن ينحو منحاها الواقعي على أن يسيروا على منوال قصص الرعاة المثالية، فكان جهدهم ذا أثر كبير في القضاء على قصص الرعاة وفي التقليل بين القصة وواقع الحياة، وأثروا بذلك تأثيرًا في كتاب القصة في الآداب الأوروبية الأخرى.
ولا يكتفي الدكتور هلال بذلك بل يمضي فيبين امتداد تأثير المقامات، ذلك التأثير الذي يقوم عليه ما بسطه من شواهد قوية مقنعة إلى خارج الأدب الإسباني، فيقول: وممن تأثر بهم أي بالأدباء الإسبان المتأثرين بالمقامات العربية في الأدب الفرنسي "شارل سوريل"، في قصته (تاريخ فرانسيون الحقيقي الهازل) وقد نشرها في باريس عام ألف وستمائة واثنين وعشرين، وهي أول قصة من قصص الشطار في فرنسا.
وهي على لسان شخصية "فرانسيون" يهجو فيها العادات والتقاليد، بوساطة أشخاص من المتسولين ومن يعد في حسابهم في نظر المؤلف، كما يهجو مختلف الطبقات الأخرى، وقد كانت هذه القصة وأمثالها أصلًا لما سلكه الكاتب الفرنسي "لوساج" في قصته (جان بلا)، التي ظهرت طبعتها الكاملة في فرنسا عام ألف وسبعمائة وسبعة وأربعين للميلاد، وفيها يهجو المؤلف العادات والتقاليد