وتختص بأن المغامرات فيها يحكيها المؤلف على لسانه كأنها حدثت له، وهي ذات صبغة هجائية للمجتمع ومَن فيه، ويسافر فيها البطل -أي: المؤلف- على غير منهج في سفره وحياته فقيرة بائسة يحياها على هامش المجتمع.
ويظل يتنقل بين طبقاته ليكسب قوته، وهو يحكم على المجتمع من وجهة نظره هو حكمًا تظهر فيه الأثرة والانطواء على النفس، وقصر النظر في اعتبار الأشياء من الناحية الغريزية النفعية، فكل من يعارضه فهو خبيث ومن يمنحه الإحسان خيِّر، وأول قصة من هذا الجنس القصصي في الأدب الإسباني قصة عنوانها: (حياة لاسريودوترمس وحظوظه ومحنه) وهي قصة تنبع من واقع الحياة في الطبقات الدنيا، وتصفها كما يمليها منطق الغرائز الصريح، وهي معارضة تامة لقصص الرعاة وتسير على نقيضها؛ لأنها تصف واقعًا لا مثالية فيه ولا أمل.
ثم ينتقل الأستاذ الدكتور إلى القضية التي تهمنا هنا؛ ألا وهي قضية تأثر هذا الفن القصصي الجديد بالمقامة فيقول: ويوجد وجوه شبه قوية بين قصص الشطار السابقة الذكر وبين المقامات العربية، كما نعلمها عند بديع الزمان الهمذاني ثم الحريري، ولم تُبحث هذه المسألة بحثًا مقارنًا بعد، ولكن الأدلة التاريخية تقطع بأن مقامات الحريري عرفت في الأدب العربي في إسبانيا، ومن كتاب العرب الإسبانيين -يقصد الأندلسيين- مَن ألفوا مقامات على غرارها في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي. مثل: ابن القصير الفقيه، ومثل أبي طاهر محمد بن يوسف السراقسطي.
وقد شرح (مقامات الحريري) كذلك كثير من العرب الإسبانيين من أشهرهم: عقيل بن عطية المتوفى عام ألف ومائتين وأحد عشر، ثم أبو العباس أحمد الشريشي المتوفى عام ألف ومائتين واثنين وعشرين، ثم إن (مقامات الحريري) ترجمت إلى اللغة العربية، ترجمها سالموني بن صقبيل في القرن الثاني عشر الميلادي، ثم ترجمها الحريزي