لديهم نباتًا ينثر على الميت، فيتكلم في الحال، فارتحل برذويه إلى لهند بتوجيه من كسرى، حيث واجهته مصاعب كثيرة إلى أن عرف أن النبات المقصود هو رمز لكتاب (كليلة ودمنة)، الموجود لدى الراجا حاكم الهند.
وقيل: إن هذا الكتاب كان متوارَثًا عند الحاكم لا يسمح لأحد باستنساخه، إلا أن برذويه بعلمه وحكمته وحسن خلقه استطاع الاطلاع على النسخة الهندية، وكان يرسل إلى كسرى أنوشروان ما يحفظه منها تباعًا، وتولى بوزرج مهر كتابة ما يصل من برذويه، وصدر الكتاب بعد ذلك، وهو يدور حول قصص يرويها الفيلسوف بيدبا للملك دبشليم، واطلع ابن المقفع على النسخة الفارسية للكتاب، وكان لها أثر بالغ في نفسه وتفكيره وثقافته، وكانت الظروف الاجتماعية والسياسية التي تحيط بالفيلسوف الهندي بيدبا في علاقته بالملك دبشليم، تشابه ما كان فيه ابن المقفع مع الخليفة المنصور، الذي كان بحاجة إلى النصح غير المباشر؛ لِمَا عرف عنه من قوة البأس والبطش بكل من لا يمالئه، أو يخرج عن طاعته؛ لذا اتسمت ترجمة ابن المقفع للكتاب بخصوصية ظرفها الزماني والمكاني، فأضاف ابن المقفع بعض القصص من نسج تأليفه، وعدل في بعضها، وأكسب المترجم منها روحًا جديدة من خلال أسلوبه المشوق وعرضه الرائع.
هذا، وتناول الكتاب قصصًا ترجي على لسان الحيوان في ظاهرها؛ لتصل لأهداف أخرى أخلاقية وإصلاحية لشئون المجتمع والسياسة، فالحيوان في (كليلة ودمنة) أداة توظيف لغاية قصدها الكاتب، وقد يتحقق هذا الهدف بعرض الحكمة مباشرة، أو من خلال الفكاهة، التي تظهر في قيام الحيوان بالدور الإنساني تصرفاتٍ أو كلامًا، وقد صرح ابن المقفع أكثر من مرة أن للكتاب غرضًا ظاهريًّا، وآخرَ باطنيًّا.