عملًا أدبيًّا نادرًا قد تمر عدة أيام لا يظفر العالم خلالها بمسرحية شعرية لها قيمة، في حين يظفر كل عام بعشرات المسرحيات النثرية الممتازة.

ولنلاحظ هنا كذلك كيف أن دوارة مثل طه حسين يتخذ من المسرح الأوربي منوالًا ينبغي في نظره النسج عليه، مستشهدًا بوضع المسرح في أوربا، ومن طريف الأمر مع ذلك أن الدكتور طه حسبما لاحظ الدكتور محمد مندور قد أشاد بشعر تلك المسرحية، ناسيًا ما قاله عن نفوره من المسرحيات الشعرية، ثم أثنى بوجه خاص على شعرها؛ لأنه على حد تعبيره شعر جزل رصين لم نسمع مثله منذ وقت بعيد، ويعقب مندور بأن طه حسين لم يهتم أدنى اهتمام بمناقشة فن أباظة المسرحي، بل ركز اهتمامه على الشعر في ذاته، بل إنه قد أعلن إعلانًا أنه لن يتعرض للجانب المسرحي في ذلك العمل، إذ قال: وليس لي بالطبع أن أنقد القصة من هذه الناحية، فقد لا يكون من حقي أن أدخل فيما لا أحسن من صناعة التمثيل.

ويمضي مندور فيستغرب هذا الموقف من طه حسين قائلًا: إنه استهل حياته الجامعية بتدريس الأدب التمثيلي عند اليونان، وتأليف كتاب قيم فيه، ويضاف إلى ذلك أن الدكتور طه قد ترجم عددًا من المسرحيات الإغريقية، ونشرها قبل ذلك بزمن طويل سنة ألف وتسعمائة وتسعة عشرة على وجه التحديد، في كتاب يحمل عنوان (صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان)، ومعنى ذلك أن طه حسين لم يكن عاجزًا عن تقويم مسرحية أباظة من حيث كونها عملًا مسرحيًّا لا مجرد شعرٍ جزيلًا كان أو غير جزيل لو أراد، فقد اهتم كما رأينا بترجمة طائفة غير قليلة من المسرح الإغريقي ودراستها، كما كان أول من قدم توفيق الحكيم إلى جمهور القراء، وأبدى إعجابه برائعة (أهل الكهف)، وكتب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015