إلى ذلك، أما المسرحيات الراقية ففي الغالب لا تجد جمهورًا كثيرًا يتعطش لحضورها فضلًا عن قراءتها، وليس هذا رأيًا شخصيًّا ولا انطباعًا غامضًا، فها هو ذا واحد من نقاد المسرح النشطين يقول ذات الشيء، ففي كتاب فؤاد دواره (النقد المسرحي) نجده يقول في ضيق صدر شديد: يخيل إليَّ أحيانًا أننا بدأنا نصنع مفهومًا جديد للمسرح في بلادنا، وأخذنا نتحول به من فن رفيع يخاطب العقل والعاطفة، ويُغني الذوق والإحساس إلى نوع من النشاط الرياضي والعضلي، يشترك فيه الممثلون والجمهور على السواء، فالغالبية العظمى مما تقدمه فرقنا المسرحية من النوع الهازل الذي تغلب فيه الحركة الصارخة المفتعلة، والحوار المملوء بالنكات المصطنعة، والشتائم المنتقاة والتوريات الجنسية المكشوفة، كل ذلك بهدف واحد هو إشراك الجمهور في المباراة فترتفع قهقهاته، ويخبط الأرجل بالأيدي، والأرض بالأرجل، وتزداد سرعته في قزقزة اللب.
إن هذا اللون من المسرحيات الهازلة موجود في كل بلاد العالم، ولكن ليس بهذه النسبة الكبيرة الموجودة لدينا، وليس على هذا المستوى الهابط من السخف والتفاهة.
ومثل المسرح في غربته عن بيئتنا بل أشد منه فن الأوبرا الذي لا يقبل عليه إلا القليلون، كما نعرف جميعًا، وأغلب الظن أن كثيرًا من أولئك القليلين يفعلون ذلك عن تقليد للأوربيين، لا اقتناعًا ذوقيًّا منهم، إن صح نسبة الاقتناع إلى الذوق، وإلا فهو تعبير مجازي، وكما أنكر طه حسين المسرحية الشعرية بوصفها شكلًا فنيًّا مضى أوانه، ولم يعد أحد يلجأ إليه إلا في الندرة نرى فؤاد دواره أيضًا يقول: إنه من المعروف أن أول المسرحيات التي عرفها العالم هي التراجيديات والكوميديات الإغريقية، وكانت كلها شعرًا، وظلت المسرحية الشعرية هي الشكل المألوف المنتشر في آداب العالم، حتى أوائل القرن التاسع عشر، حينما بدأ النثر يزاحم الشعر حتى أزاحه عن خشبة المسرح أو كاد، وأصبحت المسرحية الشعرية اليوم