ينصرفون عنها إلى الحرية الحرة والطلاقة المطلقة في هذا التمثيل المنثور، الذي لا يكلفهم إلا أيسر الجهد وأقل العناء.
وقد صحب التمثيل في أثناء طفولته وحين بلغ شبابه الشعر؛ لأنه لم يكن يستطيع أن يتخفف من الغناء؛ ولأن النثر لم يكن قد استكمل قوته بعد، فلما تخفف التمثيل من الغناء ومرن النثر، واستطاع أن يتصرف في جميع فنون القول انصرف إليه أصحاب التمثيل، وتركوا الشعر بفنونه الخاصة، فإذا كانت آيات التمثيل في العصر القديم، وفي أوائل العصر الحديث شعرًا كلها، فإن القرن التاسع عشر قد شهد مزاحمة النثر للشعر على التمثيل؛ حتى استأثر به وكاد يصرف الشاعر عنه صرفًا، وهذا الكلام موجود في المقدمة التي كتبها الدكتور طه حسين لمسرحية (غروب الأندلس) لعزيز أباظة، حين صدرت لأول مرة عام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين.
ويهمني ما دمنا في حقل الأدب المقارن أن نقف عند الحجة التي قدمها طه حسين مبررًا بها نفوره من المسرحيات الشعرية، تلك الحجة التي تقوم على أن الغرب سار ينفر من ذلك اللون من الإبداع، فكأن الدكتور طه يضبط ذوقه النقدي على ذوق الغربيين، ويقيم حكمه على أساس من أحكامهم بوصفهم القبلة، التي ينبغي أن نتجه إليها في نقدنا وأدبنا وفكرنا، وهذا أمر طبيعي منه، إذ قد سبق له قبل ذلك بنحو ستة عشر عامًا أن نادى في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر)، بأن نحذو حذو أوربا في كل شيء، ونتبنى حضارتها تبنيًا كاملًا بحلوها ومرها وخيرها وشرها، كما قال بالنص تقريبًا، وليس بعد هذا ذوبان لشخصيتنا الإسلامية العربية، وعدوان عليها وتهديم لبنيانها، فالمفروض أن كل أمة تعمل على تماسك شخصيتها، والاعتزاز بخصوصيتها ما دامت تلك الخصوصية بريئة من العيوب والمؤاخذات، أما أن تتبرع الأمة تبرعًا بالتخلي عن ذاتيتها والجري وراء الآخرين، وتقليدهم في