الشاعر قد ظل أسير المادة التاريخية إلى أن بدأ يتحرر في مسرحيته (شهريار)، وكما تحول شوقي من قبل في مسرحيته (الست هدى) من سلطان المادة التاريخية، ومن سلطان الأهداف التعليمية والوطنية، واتجه اتجاهًا اجتماعيًّا بحتًا كذلك فعل عزيز أباظة، إذ تحول على وجل شديد إلى المجتمع يقتبس منه، ويأخذ بعض أحداثه وصوره، ويعرضه على المسرح ويتم هذا التحول بعد مران طويل في كتابة المسرحية، وصياغة الشعر المسرحي، فعندئذٍ تظهر الحبكة متساوية قوية، وتبدو صور المجتمع المصري البحت على حقيقتها في خلال الشاعر، وتبدو تجربته شخصية وواضحة، ولكن لا يلبث الشاعر مرة أخرى أن يعود إلى نفسه في مسرحيته (قافلة النور)، وتسيطر عليه نزعة دينية قوية، وترتد ذكرياته إلى ظهور الإسلام وانتشاره، فيحاول أن يصور هذا الموضوع في مسرحيته.

ولكن الشاعر في هذه المرة لا يأخذ من التاريخ إلا بعض سماته العامة، ويترك لخياله العنان يخلق الأحداث والأحاديث، ويلون الشخصيات دون حرج أو تحفظ أو التماس للمطابقة التاريخية، كما فعل في روايته الأولى، وينكر الدكتور طه حسين على عزيز أباظة أن يكتب مسرحياته شعرًا، وحجته في هذا الإنكار أن المسرح في أوربا لم يعد ينظم في ثوب شعري، بل صار نثرًا إلا ما ندر؛ ولهذا فهو لا يطيق أن يقرأ أو يسمع مسرحية شعرية، قال: إني لست من الكلفين بالقصص التمثيلية التي تُعرض على الناس شعرًا هذه الأيام، وشعرًا عربيًّا بنوع خاص، وقد شب التمثيل عن طوق الشعر وتمرد على أوزانه وقوافيه، وآثر حرية النثر وطلاقته وإسماحه على قيود الشعر وتحرجه وصرامته منذ زمن غير قصير، وأصبحت القصص الشعرية في اللغات الأوروبية نادرة أشد الندرة، لا يكاد الناس يقبلون عليها إن وجدت، فإن فعلوا لم يتصل إقبالهم عليها، إلا ريثما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015