أجهدت نفسي في البحث عن شخصية ظاهرة مشتركة تظهر في هذا الشعر كله أو بعضه، فلم أوفق من ذلك إلى شيء.

وواضح من هذا النص أن كاتبه وهو الدكتور طه حسين يدور في حلقة مفرغة، إذ يتخذ من نفسه شاهدًا على نفسه دون أن يقدم دليلًا واحدًا على ما يقول، وإلا لقد كان عليه إيراد الأشعار التي يرى أنها لا تعكس شخصية واحدة في الفن أو في المحتوى، ثم يبين لنا دلالتها على ما يريد التدليل عليه، أما أن يكتفي بالزعم الذي لا يثبته شيء سوى زعم له آخر بأنه قد تعب في البحث، فلم يصل إلى شيء، فهذا ليس من البحث العلمي في قليل أو كثير.

وشيء آخر في هذا الكلام هو أن طه حسين لا يستطيع للأسف التفرقة بين النحل والانتحال، فنراه يقول: إن الرواة والمغنين انتحلوا كذا وكذا من الأشعار على حين أن المقصود هو أنهم قد نحلو المجنون تلك الأشعار لا أنهم انتحلوها، إذ الانتحال هو استيلاء الشخص على شعر الغير ونسبته إلى نفسه لا نسبته إلى شخص ثالث، كما يتوهم الدكتور طه، وقد وقع بعد ذلك مرارًا في هذه الغلطة، حين ألف كتابه (في الشعر الجاهلي) بعد عشر سنوات تقريبًا من مقالاته، التي نشرها في الصحف، ثم جمعها في (حديث الأربعاء) ومنها مقاله عن مجنون ليلى، ومعنى هذا أنه قد استمر على الأقل نحو عقد من الزمان يكرر ذات الخطأ الفادح دون أن يتنبه.

نخرج من هذا بأن المجنون ليس شخصية وهمية، ولكن من الممكن أن يكون شعره قد اختلطت به أشعار الآخرين، وأن تكون أخباره قد دخلتها المبالغات على ما يحدث في مثل تلك الحالة، وهذا ما يراه أيضًا الدكتور محمد غنيمي هلال الذي يؤكد أنه لا يجد فيما قاله عنه المشككون من الرواة دليلًا يقطع بعدم وجوده، وإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015