القتال قوى القيصرين المنتصر هو المخذول؛ حتى إذا قرت الحرب بينهما وظهرت بجيشها وأسطولها؛ لتجهز على أوكتافيوس إذا ظفر وهو متعب منهوك؛ ولتحيي أنطونيوس إذا كان هو الظافر تحية القوي للضعيف، لا تحية التابع إلى المتبوع، لكن الحياد الصريح كان معناه المحتوم أن تفقد أنطونيوس، وأن تفقد كل أمل في هواه، وأن ينهار بفقدان هذه الأمل صرح أمانيها جميعًا، فاصطنعت كليوباترا لنفسها حيادًا مقنعًا تتظاهر فيه بالقيام بنصيبها من أعمال الحرب إلى جانب أنطونيوس؛ حتى إذا نشبت المعركة فرت بجيشها أو أسطولها تاركة لفرار أنطونيوس القوي مهمة التماس الأعذار لضعفها، وفرارها من حومة القتال ناطقة على لسانه:
فقلت: انسحبت ضعفًا، وقال الناس: بل غدرًا ... ولو كان لهم قلب كقلبي التمسوا العذرا
ومهمة أخرى هي إلقاء تبعة الغدر والخيانة على من يشاء من قوادها:
فيا قائد الأسطول هل من مكيدة ... تدبر لي خلف الشراع وما أدري
وما من شك أنها مهمات يسيرة إزاء مهمة الاعتذار لخيانتها السافرة، لو أنها وقفت منه موقف الحياد الصريح، وما من شك كذلك أن هذه المهمات قد أداها غرام أنطونيوس بنجاح، فقد عفا عن ضعف حبيبته مرتين ومات راضيًا عنها كل الرضا.
ونستطيع استخلاص هذه الخطة التي اتخذتها كليوباترا من أربعة مواضع:
الأول: في موقف كليوباترا من حاشيتها بعد وقعة أكتيوم تبرر فرارها في هذه الأبيات:
قلت روما تصدعت فترى ... شطرًا من القوم في عداوة شطر