وقد وصفت كليوباترا في النظرات التحليلية التي ذيلت بها مسرحية (مصرع كليوباترا) لأحمد شوقي بالملكة المصرية المظلومة، مؤكدًا كاتبها أنها اكتسبت مصريتها من واقع حكم أسرتها لأرض الكنانة ثلاثة قرون، هي عمر الدولة البطلمية، التي وفدت إلينا من اليونان واحتلت بلادنا.
كذلك انبرى كاتب النظرات يدافع عن كليوباترا أيما دفاع، إذ نعتها بالوفاء والإخلاص لمصر، ورد ما اتهمها به مؤرخو اليونان في عرضها وحكمتها، واصفين إياها بأنها حية النيل العجوز، مبينًا أنه إذا كان شوقي قد أخذ على عاتقه مهمة كتابة مسرحية تنصف هذه المصرية المضطهدة، ويثبت لها سمو الغاية ونبالة القصد على حد تعبيره، فهذا أمر طبيعي استوحى فيه المنطق، واتجاه البحث العلمي الذي يكشف كل يوم من أمر كليوباترا شيئًا جديدًا ينسخ ما كان متعارفًا من قبل، والواقع الذي نعرفه ولا نعرف سوه حتى الآن على الأقل، هو أن كليوباترا كانت امرأة لعوبًا حسبما رأينا من ترجمتها الآنفة فضلًا عن أنها ليست مصرية أبدًا، فكيف يقلب شوقي حقائق التاريخ، ويسيرها مصرية طاهرة الذيل، لقد أطلق للسان في المسرحية العنان، فوصف الشعب المصري بأنه شعب ثرثار رعديد يسمع كلام حاكميه، ولا يفكر يومًا في الثورة عليهم، بل يخرج للهتاف بحياتهم والتصفيق لهم مهما استبدوا به، وأجحفوا بحقوقه وساموه سوء العذاب.
ولم نجد في ذلك ما يقدح في وطنيته، إذ ليس مطلوبًا من الأديب أن يزيف حقائق الأمور، فيرسم لشعبه صورة براقة نظيفة في الوقت الذي ليست صورته الحقيقية براقة ولا نظيفة، فكيف إذن انقلبت الأمور على يدي شوقي بالنسبة إلى كليوباترا، فحرص على تطهيرها وتصويرها في أبهى حلة وأنقاها وهي ليست كذلك؟