الأدب الفرنسي، قرأ الأدب التقليدي ممثلًا في "كورنيه" و"راسين" و"موليير"، وقرأ الأدب الإبداعي لدى "هيجو" و"شكسبير" مترجمًا، ونعلم أن "هيجو" قد تأثر بـ"شكسبير" وأن كلًّا منهما قد اتجه نحو التاريخ الأوربي الحديث والقديم، فيكتب "شكسبير" (هنري الرابع) و (هنري الخامس) و (كليوباترا) و (يوليوس قيصر) و (الملك لير)، ويخرج لنا "هيجو مار نيودور" و"كرومويل" من تاريخ انجلترا الحديث، و"هرناني" من التاريخ الأسباني أثناء محاكم التفتيش وغير ذلك.
وقد تأثر شوقي بكل هذا إذ رأى أعلام الأدب الأوربي يتجهون إلى التاريخ، فلجأ إليه يستقي منه موضوعات مسرحياته، ورأى النزعة القومية الطبيعية غالبة على المدرسة الفرنسية المعاصرة تسايرها في وجهتها، وإحياء التاريخ المصري فرعونيًّا أو عربيًّا أو إسلاميًّا كان يعده شوقي اتجاهًا قوميًّا، ورأى أن جمهوره لا يزال ميالًا إلى الغناء، فأكثر من مقطوعاته الغنائية، فضلًا عن أنه لم يستطع هو نفسه التخلص من فنه الغنائي، الذي مارسه طول حياته في قصائده، أضف إلى كل هذا أن شوقي كان بعيدًا عن حياة الشعب؛ لأنه كان حبيسًا في قفص من ذهب، مقيدًا بقيود القصر وغل الحاشية، ولم يكن يدري شيئًا عما يعانيه شعب مصر من مذلة وهوان وفاقة، وإذا درى فقلما كان يحس بتلك الآلام أو يتذكرها، وليس له بها عهد، ولا ريب أن بُعده عن الشعب جعله لا يتجه أي وجهة واقعية أو اجتماعية في مسرحياته، اللهم إلا في روايته الأخيرة (الست هدى).
ونحن نعلل هذا الاتجاه الأخير بكثرة تردده على المسرح وإدراكه ما يطلبه الجمهور، وما يقتضيه التنويع في فنه، ثم لتلك النهضة الاجتماعية الشعبية ممثلةً في الصحافة والمسرح، ولقد سبق أن سمعنا الدكتور مندور يقرر أن تلك القصائد الغنائية التي تتضمنها مسرحيات شوقي تناسب طبيعة ذوق الجمهور العربي والمصري.
وإن الإنسان ليتساءل مجرد تساؤل: ما دامت الجوقة في المسرح الإغريقي كانت تقوم بذلك الدور، ألا يمكن النظر إلى صنيع شوقي هذا بوصفه تطويرًا لدور