ولم يكن شوقي في نظر الزبيدي مناضلًا؛ لأنه بطبعه يحب الاعتدال فهو يحب أن يتخذ المواقف الوسط؛ ليرضي الشعب والسرايا والعلماء والنقاد في ذات الوقت؛ لذلك نراه يفر من واقعه إلى التاريخ أحيانًا، ويعمل قوافيه في حقائقه وواقعه حسبما يجب أن يكون، لا كما هو التاريخ، أو كما روى المؤرخون أن التاريخ كان.
فإذا كانت الدعوة إلى الجهاد ومغالبة النفس إلى التضحية في سبيل الوطن واجبة، فإنه لا يدعو إلى ذلك مباشرة في مسرحياته، بل ينتخب من التاريخ فترات الاضمحلال أو الفساد، مثل الفترة التي شهدت نهاية الحكم الروماني في (مصرع كليوباترا)، وآخر أيام العرب في الأندلس في (أميرة الأندلس)، وفوضى الانحلال أيام المماليك في مسرحية (علي بك الكبير)، وانهزام مصر أيام (قمبيز) في المسرحية المسماة بهذا الاسم، ونراه يحمل هذه الفترات السود ما لا تحتمل من بطولات يريد أن يدعو إليها، وليس من عيب على شوقي كما يقول الزبيدي: أن يختار فترات الاضمحلال والانهزام والفساد، فلعل هذه الفترات أغنى من الناحية الدرامية بالمشاهد المأساوية، والمواقف التي تخدم الصراع الدرامي بكل قوة، ولكنه يختار هذه الفترات؛ ليصور أبطالًا لا على أنهم معالم حجار، وإنما على أنهم عناصر قوة وسط الضعف، وكأنما نصب نفسه محاميًا عن هذه الفترات العاثرة من تاريخ مصر والعرب.
ويقول الدكتور عز الدين إسماعيل في المقدمة، التي كتبها للأعمال الكاملة لأحمد شوقي، والتي صدرت عن هيئة الكتاب سنة ألف وتسعمائة وأربعة وثمانين: إنه على الرغم من تنوع مسرح شوقي من حيث مصادر مادته، ومن حيث أساليب معالجته، فإن القارئ المتأمل لهذا النتاج في مجموعه يستطيع أن يستشف صدور شوقي في هذا النتاج كله عن مبدأ أخلاقي يحكم نظرته إلى