وبعيدًا عن المستوى الفني لمسرح شوقي نود أن نعرب بقوة عن مخالفتنا للدكتور مندور، إذ من الواضح أنه يرى أن مكاننا في الإبداع الأدبي لا بد أن يأتي تابعًا للغربيين، فإذا ذهبوا يمينًا وجب أن نذهب وراءهم ذات اليمين، وإذا راحوا شمالًا كان علينا أن نوجه وجوهنا وراءهم جهة الشمال وهكذا، وبنفس الطريقة لا بد لنا إما نكون إما كلاسيكيين أو رومانسيين أو واقعيين صِرفًا، ما دامت هناك مذاهب كلاسيكية ورومانسية وواقعية صرفًا، ولا يحق لنا أن نمزج بين مذهبين، وهذا ما يوجبه النقاد المشيعون لكل ما يأتي من الغرب، فنراهم يعيبون أيضًا أي ناقد لا يتقيد بمذهب بعينه، ويزعمون أن نقده فاسد، وغير منهجي مع أن تلك المذاهب الأدبية والنقدية ليست نازلة من السماء، بل هي نتائج بشري فيه الصواب وفيه الخطأ، ومن حق أي أحد أن يتصرف فيها على النحو الذي يراه صحيحًا، ومن ثم فإننا مبدئيًّا لا نرى فيما فعله شوقي طبقًا لما يقوله الدكتور مندور من عدم تعبده لمذهب بعينه على النحو الذي يريده ذلك الناقد، لا نرى في ذلك شيئًا يُعاب، بل هو التصرف الأقرب إلى الحكمة.

ثم إن شوقي لم يؤلف وهو في فرنسا إلا مسرحية واحدة هي مسرحية (علي بك الكبير)، الذي عاد تأليفها بعد ذلك بسنوات طوال في أخريات حياته.

كذلك فقول مندور: إن استقاء شوقي مسرحياته من التاريخ قد وقف حاجزًا بينها وبين الجمهور، الذي كان يفضل أن يرى في المسرحية عرضًا لمشاكله المعاصرة، بدلًا من معالجة الأحداث التاريخية، التي بعد بها العهد فلم يعد لها تأثير يذكر في حياته واهتماماته، هذا القول يدل على أن مندور قد فاته التنبه إلى أن كثيرًا جدًّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015