ورغم أن أبا العلاء يطلعنا مباشرة على موقفه من القضايا المطروحة في المعارف والفنون والعلوم في شق رسالة الغفران الثاني، فإن الشق الأول وهو الرحلة الخيالية هو الذي كُتِبَ له الخلود، وفيه يرد المعري على أسئلة ابن القارح ردًّا غير مباشر، مازجًا الجد بالسخرية.

وتنقسم رحلة ابن القارح التي يتخيلها المعري ثلاثة أقسام هي: الصعود ثم زيارة الجحيم ثم الجنة، وقد استفاد المعري من أدب الإسراء والمعراج والقرآن والتفسير والحديث الشريف في إبداع تلك الرحلة، وخلال ذلك يلتقي ابن القارح بشخصيات متعددة، تمثل الشعراء والأدباء والنقاد والمفكرين، فيحاورهم مثيرًا معهم طائفة من القضايا الفكرية والأدبية والنقدية والدينية، ويستقي المعري من مصادر متعددة كالأدب واللغة والشعر والنثر والاجتماع والأخلاق والتاريخ والدين، يستقي المادة التي تملأ إطار الرسالة، فقد عاش ابن القارح كما يصوره خيال أبي العلاء يوم الموقف، وما فيه من هول وشفاعة، ثم رأى نعيم الفردوس، ثم انتقل إلى الجحيم وعذابه، ثم عاد إلى الفردوس والخلد في نهاية المطاف.

ورسالة الغفران غنية بالعناصر القصصية، ففيها حبكة وحوار ورسم شخصيات، ويتحدث فيها ابن القارح إلى الشعراء والكتاب ويحاورهم في مسائل وقضايا، تتصل بمعارفهم وإبداعاتهم، ويبدع أبو العلاء فيما يقدمه من خيالات تتعلق بآدم وإبليس والعفاريت والملائكة والشعراء، مما يخرج الواقع التاريخي للشخصيات إلى إطار متخيل مدهش.

وهناك أيضًا تشابه كبير بين (رسالة الغفران) و (رسالة التوابع والزوابع) لابن شهيد الأندلسي، فكلتاهما تعرض القضايا الأدبية بأسلوب قصصي، وكلتاهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015