الإبريق من على كتفها، وضربت به في الهواء، وهَزّت يدها حتى طارت الليفة من فم الإبريق، فنزلت الثلاثة دنانير على الأرض، فنظرها البواب والتقتها وقال في نفسه: شيء لله هذه الشيخة من أصحاب التصرف، فإنها كاشفت علي وعرفت أني محتاج للمصروف.
فتصرفت لي في حصول الثلاثة دنانير التي وقعا الأرض من إبريقك، فقالت له العجوز: أبعدها عني فإني من ناس لا يشتغلون بالدنيا أبدًا خذها ووسع بها على نفسك عوضا عن الذي لك عند الأمير فقال: شيء لله من المدد، وهذا من باب الكشف وإذا بالجارية قبلت يدها، وأطلعتها لسيدتها، فلما دخلت رأت سيدة الجارية كأنها كنز انفكت عنه الطلاسم، فرحبت بها وقبلت يدها، فقالت لها: يا ابنتي، أنا ما جئتك إلا بمشورة فقدمت لها الأكل فقالت لها: يا ابنتي أنا ما آكل إلا من مأكل الجنة، وأديم صيامي فلا أفطر إلا خمسة أيام في السنة، ولكن يا ابنتي أنا أنظرك مكدرة ومرادي أن تقولي لي على سبب تكديرك.
فقالت: يا أمي، في ليلة ما دخلت حلفت زوجي أنه لا يتزوج غيري، فرأى الأولاد فتشوق إليهم، فقال لي: أنت عاقر، فقلت له: أنت بغل لا تحبل، فخرج غضبان، وقال لي: لما أرجع من السفر أتزوج عليكي، وأنا خائفة يا أمي أن يطلقني ويتزوج غيري؛ فإن له بلادًا وزروعًا وجامكية واسعة؛ فإذا جاء أولاد من غيري يملكون المال والبلاد مني، فقالت لها: يا ابنتي، هل أنتي عمياء عن شيخ أبي الحملات، فكل من كان مديونًا وزاره قضى الله دينه، وإن زارته عاقر فإنها تحبل.
فقالت: يا أمي، أنا من يوم دخلت ما خرجت لا معزية ولا مهنئة، فقالت لها العجوز: يا ابنتي، أنا آخذك معي وأريك أبا الحملات، وأرمي حملتك عليه،