وهما كما يرى المستمع لا صلة بينهما وبين البناء الفني لهذين الجنسين الأدبيين، ولأن العناصر الموجودة في الملحمة هي نفسها تقريبًا العناصر الموجودة في المسرحية، نجده يؤكد أن من يستطيع الحكم الفني على إحداهما يستطيع الحكم على الأخرى، وبالمثل نراه يذكر أن المؤلف -أي: مؤلف- قد يروي قصته من خلال ضمير الغائب، أو من خلال ضمير المتكلم، أو من خلال ترك الشخصيات تتصرف أمامنا مباشرة، والأسلوب الأخير هو أسلوب المسرحية، أما الأسلوب الأول فأسلوب "هومر" في شعره الملحمي.
إلا أنه لم يضرب لنا مثلًا يوضح به كيفية تقديم الشخص نفسه من خلال ضمير المتكلم، والمسرحية تتكون عنده من الحبكة والشخصية واللغة والفكرة والمنظر والأغنية، وفي رأيه أنّ الحَبكة أهم من رسم الشخصيات، وأساسها عدم تضمين العمل المسرحي والملحمي أي عنصر لا يضر العمل حذفه، وألا نحذف من العمل أي عنصر شأنه أن يصيب العمل بالتفكك والانهيار عند هذا الحذف.
كذلك لا بد في رأيه أن يكون كل حدث مترتبًا على الحدث السابق عليه، وبالنسبة إلى الشخصيات: ينبغي أن تكون شخصيات حقيقية ممن نقابلها في الحياة، وأن ينم كلامها وسلوكها عليها وينسجم معها، وأن تكون متسقة مع نفسها ... إلى آخر ما كتب ذلك الفيلسوف عن المواصفات التي لا بد من مراعتها في كتابة المسرحية والملحمة، وهو أساس النقد القصصي عند الأوربيين وعند غير الأوربيين.
والسؤال المعتاد في هذا الموضع هو: منذ متى عرف الأدب العربي فن القصص؟ وفي الجواب عن هذا نقول: إنّ بعض الدارسين يميلون إلى القول بأنّ القِصّة أحد الفنون الأدبية الطارئة على الأدب العربي، استمدها من الآداب الغربية في هذا