كذلك فتصوير الشاعرُ الحلاجَ في صورة المتحير الذي لا يدري ماذا يصنع لمحاربة الفقر والظلم في المجتمع، هو تصوير يجافي الواقعَ -كما قلنا- لأن المعروف أن الحلاج لم يكن يفكر في موضوعات كهذه على الإطلاق، بل كان رجلًا صوفيًّا، يقول بالحلول والوَحدة مع الله، وما إلى ذلك، مما لا يقبله الإسلام.

يقول الحلاج:

اخترْتُ لنفسي ماذا أختار؟

هلْ أرفعُ صوتي؟

أمْ أرفعُ سيْفي؟

ماذا أختارْ؟

ماذا أختارْ؟

وقد وقع صلاح عبد الصبور في كل هذه المزانق؛ لأنه وضع نُصْب عينه -فيما يبدو- سيرة "توماس بيكيت" والمسرحية التي كتبها عن إليوت، فأراد أن تكون له مسرحية تشبهها، غافلًا عن أن شخصية بطلي المسرحتين مختلفتان، والسياقين مختلفان، والدوافع وراء قَتْل كل من الرجلين مختلفة، وهكذا.

لقد كان "توماس بيكيت" -وهو من أهل القرن الثاني عشر الميلادي- أسقفًا لكنيسة "كانتبري"، وعُرِفَ عنه رغبته في الحفاظ على استقلال الكنيسة الإنجليزية من التدخل الملكي. وفي عام 1255ميلادية، قام الملك "هنري" الثاني بتعينه كبيرًا لقضاة إنجلترا، فعاش "بيكيت" حياة رغدة، وأصبح الرفيق المفضل لذلك الملك، وفي عام 1162م، عينه الملك أسقفًا لـ"كانتبري"، فتولى مهام منصبه توليًا جادًّا، وأصبح مدافعًا عن حقوق الكنيسة ضد السلطات الملكية. وقد توالت الخلافات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015