ولقد حاول المؤلفون الأوربيون تحويل المسرحية ففشلوا فشلًا ذريعًا، كما حاول ذلك توفيق الحكيم المسلم، الذي حكم الناقد السويسري "ألويس دون ماريناك" أنه قد فشل في عمله أيضًا، رغم ما في محاولته من جمال، وهو ما أقر به الحكيم عن نفسه كذلك.

وتكمن المشكلة في أن الخرافة الوثنية لاصقة في مسرحية "سوفوكليس"، فلا يمكن إبعادها إلا بتشويه العمل، والخروج عن المحاكاة إلى شيء آخر، وقد أبعد أديبنا المصري كثيرًا من عناصر الأسطورة عن مسرحيته؛ لأن المسلم لا يعتقد أن الإنسان مجبر جبريةً مطلقةً كما هو الحال في مسرحية الأديب الإغريقي، كما أن الإسلام يرفض تمامًا فكرة الإله القاسي، الذي يكتب على عبده الشقاءَ اللازمَ من قبل أن يولَد، وعلى نحو لا يمكنه أن يتفاداه مهما صنَعَ، وفوق هذا فالمسلم لا يعتقد أن أحدًا من الخلق يمكنه أن يعلم الغيب أبدًا، على عكس ما تقوله المسرحية الإغريقية من أن العرَّاف كان يعلم ما سوف يقع لـ"أوديب" من مصائب، وأنه قد أخبره بذلك، وأن "أوديب" قد حاول بكل ما أوتي من قوة تجنب الكارثة، إلا أن محاولاته قد ضاعت عبثًا. بل إنه كلما كان أوغل في البعد يقترب رغمًا عن أنفه مما حاول الابتعاد عنه وتفاديه.

ومما لجأ إليه توفيق الحكيم من تحويلٍ في المسرحية كي تتفق مع العقيدة الإسلامية إلغاءه النبوءة التي عرف منها "أوديب" أنه سوف يقتل أباه ويتزوج أمه، والتي عمل كل ما في وسعه كي يتجنب آثارها، لكن ضاعت جهوده كلها رغم ذلك سدًى كما نعرف، وقد أثبت توفيق الحكيم رأي الأستاذ السويسري ورده هو عليه في آخر المسرحية المذكورة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015