وعلى أية حال، فقد عرفت البلاد العربية فن المسرح بدأً من دخول الفرنس ي ين مصر في أواخر القرن الثامن عشر، إذ أقاموا بعض المسارح الخشبية للترويح عن جنودهم وضباطهم، وكان بعض المصريين يسترقون النظرَ من خلال الأخصة التي بين تلك الألواح، وإن كان ذلك كله قد انقضى بخروج أولئك المجرمين من مصر أوائل القرن التاسع عشر، ويقول المؤرخون: إن "مارون النقاش الشامي" هو مؤسس المسرح العربي، وربما سبقه "يعقوب صنوع" الملقب بأبي نظارة إلى هذا، وكان "مارون" قد زار إيطاليا، واطلع على فن التمثيل هناك فأعجب به إلى حد بعيد، وفكر في نقله إلى بلاده، ومعروف أن للمتقدم تأثيرًا على المتأخر لا يقاوَم بسهولة، إذ المتأخر ينظر إلى المتقدم بعين الانبهار والإجلال، وقد يكون ما يفعله المتقدم أمرًا سيئًا يخجَل منه، إلا أن للمتأخر رأيًا آخرَ في المسألة يجعله يحرص على تقليده؛ تصورًا منه أنه بهذا يعبر حاجز التخلف ويلحق بالمتقدمين.
ولا ننسى الأثر الخطير الذي تتركه كتابات المستشرقين ومَن يتابعونهم من أبناء جلدتنا في هذا الموضوع، تلك الكتابات التي تعمل على بذر بذور الشك في قيمة الأدب العربي، لخلوه من فن المسرح قديمًا، وتصويره بصورة الأدب المتخلف عن نظيره في أوربا، مما يدفع العرب إلى العمل على إدخال هذا الفن في أدبهم، حتى لا يكون أقل من الآداب الأوربية التي تعرف هذا الفن منذ دهر طويل.
ولقد مر بنا عينة من هذه الكتابات أثناء بحثنا عن الأسباب التي يُظَن أنها حالت بين الأدب العربي القديم ومعرفة فن المسرح، إذ وجدناها تصب في خانة العيب على اللغة والشخصية العربية، بما يرسخ أنهما لم تكونَا مؤهلتين لأن تحظيا بهذا الشرف.