وإذًا فلا يقتصر التأثير على بعض الموضوعات، مثل: المغامرات الغرامية الشائكة أو الفاضحة، والإهداء إلى حامٍ، وافتخار الشاعر بنفسه كما اقتصر على ذلك "ألفريد جانوا" في كلامه عن تأثير الشعر الأندلسي العربي في شعر الشعراء التروبادورا" الأوائل، بل امتد في نظر بيدال إلى جوهر هذا الشعر التروبادوري، وهو فكرته في الحب النبيل إذ يرى بيدال أن هذه الفكرة قد عرضها ابن حزم في (طوق الحمامة) وأنها كانت فكرة سائدة عند أهل الظاهر في نظرتهم إلى الحب؛ فقد كانت موجودة قبل ذلك في كتاب (الزهرة) لابن داود الظاهري صاحب الدعوة الحب العذري، الذي توفي في أواخر القرن الثالث الهجري.
وكذلك نجد هذه الفكرة في شعر الحكم الأول الذي توفي في أوائل القرن الثالث الهجري، وفي شعر ابن زيدون، الذي يقول مثلًا في ولادة:
ته أحتمل واستطل أصبر وعز أهن ... وول أقبل وقل أسمع ومر أطع
وممن تناول هذه القضية أيضًا الدكتور عبد النبي سطيف الذي يوضح بدوره في كتابه (الموشحات الأندلسية وأثرها في الشعر الغنائي الغربي) كيف كان الشعراء التروبادور الذين ينتمون إلى إقليم "البروفانس" في جنوب فرنسا صلة الوصل بين الشعر الغنائي الأوربي، والشعر العربي الأندلسي، ولا سيما موشحاته وأزجاله.
وكان "جيوم التاسع" أول من عرف من شعراء التروبادور الذين تأكدت صلتهم بالموشحات الأندلسية، وتعد حياته مفتاح البحث عن الصلة العربية الأوربية في ميدان الشعر الغنائي، وقد اتصلت حياة أول الشعراء التروبادور بالحضارة الإسلامية اتصالًا مباشرًا، في جنوبي فرنسا، وفي أسبانيا، وفي المشرق العربي، وكان صوتًا معبرًا عن واقع مجتمعه في عصره، مُنفتحًا عن الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس. وقد بقي من اليوم إحدى عشرة قصيدة تعكس جميعها