قدرًا من الحياة والموضوعية على الموضوع برمته، وقد تتطور المقاطعة إلى خصام وجدال، سَرْعان ما يتدخل صاحب الحانة بفضه بالتي هي أحسن.
فإن انتقلنا إلى "ألف ليلة وليلة" وجدناها أيضًا أنها تقوم على حكاية إطار، حكاية شهرزاد وشهريار، إذ تأخذ شهر زاد كل يوم برواية حكاية صغيرة، أو حلقة من حكايات طويلة تشغل بها الملك المتعطش لدماء النساء، عن ممارسة هوايته، وتبقيه متشوقًا، ينتظر الحكاية أو الحلقة التالية، فيبقي هو بدوره على حياتها، حتى تكمل له قصتها المشوقة، ولا تنتهي تلك الحلقات إلا مع انتهاء الكتاب كله كما هو معروف.
فضلًا عن أن أبطالَ الكتاب يَظَلّون حاضرون طوال الوقت، منذ أول حكاية إلى أن نبلغ الحكاية الأخيرة.
ومن هنا يتبين لنا أن الأبطال في كلا الكتابين، هم الذين يروون الحكايات الموجودة فيه، وإن كانت هناك مع ذلك بعض الاختلافات الفنية، لحساب هذه مرة وتلك أخرى.
ولعلنا قد لاحظنا كيف تتطور العناصر المأخوذة أو المستوحاة من عمل ينتمي إلى أحد الآداب القومية، عبر رحلته إلى أدب قومي آخر، ولا يبقى كما هو، بل يتحول في العادة متخذًا أشكالًا مختلفة، ومُكتسبًا طعومًا مُتباينة تبعًا لاختلاف البيئات، وتباين الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية في كل بلد، عنها في البلاد الأخرى غالبًا.
لكنّ هذه الحقيقة لا ينبغي أن تلغي فضل الأدب المعطي، ولا أن تسلب حقّ الإبْدَاع عن الأدب الآخذ، إذ لا شيء يأتي من فراغ، بل كل إبداع أدبي أو غير أدبي إنما هو في الواقع حلقة في سلسلة طويلة متشابكة، مكوناتها: ثمرات العقل والخيال البشري على مر العصور، وعبر الأوطان.