يا خليج يا واهب المحار والردى
مستبدلًا كلمة لؤلؤ بالردى، إن الموت بالماء أو الموت غرقًا هو عنوان الجزء الرابع من "الأرض الخراب"، ويمثل هذا العنوان خاصية من خصائص "إليوت" الأسلوبية الساخرة، وهي توظيف المفارقة كقيمة جمالية للتعبير عن رؤاه الشعرية، فالماء العنصر الأساسي والوحيد في انبعاث الموات، وإعادة الحياة إلى الأرض الخراب، يتحول إلى عامل من عوامل هذا الموات نفسه، ويعبر الجزء الرابع الموت بالماء أقصر أجزاء قصيدة "إليوت"، وقد خَصّصَه "إليوت" للحديث رمزًا عن صديقه "جان فردينال" الذي مات غرقًا في خليج الدردنيل، وذلك من خلال توظيف أسطورة الإله الفنيقي "فيلباس" حيث يقول: "فيلباس الفنيقي ميت منذ أسبوعين، نسي صوت النوارس، ولجة البحر العميق والربح والخسارة، تيار بعمق البحر فت عظامه في رفق، وإذ صار يعلو ويهبط، وهو يلج الدوامة مر بمراحل طفولته والشباب".
استلهم السياب في "أنشودة المطر" صورة هذا الملاح الغريق الذي تناثرت عظامه في قاع البحر، بعد أن ظلت طافيًا بفعل الموج لبعض الوقت؛ ليُعيد صياغتها لوصف الخليج العربي الذي صار لا يلقي باللؤلؤ كما كان يفعل من قبل، وإنما يلقي بالزبد، وجثث الغرقى من البحارة والمهاجرين البائسين الفقراء حيث يقول:
وينشر الخليج من هباته الكثار
على الرّمال رغوة الأجاج، والمحّار
وما تبقّى من عظام بائس غريق