فرنسا مع طائفة من الضباط؛ ليشاهدوا استعراض الجيش الفرنسي السنوي، ولم يكتفوا بذلك فقد عبروا المانش إلى لندن؛ ليشاهدوا بعض الأعمال العسكرية في الديار الإنجليزية.

ورجع إلى وطنه ينعم بما ورث من ثراء وما تغدقه عليه الوظيفة من مال وجاه، وأخذ شعره في هذه الحقبة من حياته يصور متاعه بدنياه وما تجتليه عينه من مشاهد الطبيعة المصرية، كما أخذ يصور ما انطبعت عليه نفسه من الشجاعة والقوة والروح العسكرية. وحدث أن اندلعت ثورة ضد الدولة العثمانية في جزيرة إقريطش "كريت" سنة 1866 ورأى إسماعيل أن يمدها بفرقة مصرية، ورحل البارودي مع الفرقة، وأبلى في حرب الثوار بلاء حسنًا، فكافأته الدولة العلية ببعض أوسمتها، وفي هذه الحرب نظم نونيته المشهورة:

أخذ الكَرى بمعاقد الأجفان ... وهفا السرَى بأعنة الفرسان

ولما أعلنت روسيا الحرب على تركيا سنة 1877 مدت مصر قوسها تساعدها في تلك الحرب، وكان البارودي من خير من رموا عن هذه القوس، فأنعم عليه بأوسمة مختلفة، وتغنى ببلائه حينئذ، ومزج غناءه بشوق وحنين شديد إلى وطنه على نحو ما يرى قارئه في قصيدته:

هو البَيْنُ حتى لا سلامٌ ولا رَد ... ولا نظرة يقضي بها حقه الوَجْدُ

ورجع إلى مصر مرفوع الرأس، فعين مديرًا للشرقية، ثم محافظًا للعاصمة. وكانت الحركة القومية قد أخذت في الظهور، بعامل الصحف وقيام طائفة من المصلحين ينددون بإسماعيل وسياسته المالية الفاسدة وتمكينه للأجانب أن يتدخلوا في شئون الحكم المختلفة، وما رضي به من صندوق الدين والمراقبة الثنائية، ومد البارودي يده إلى القائمين على هذه الحركة تحدوه في ذلك نفسه الطموح، وكأنما حلم برجوع مجد آبائه من المماليك ممثَّلًا في شخصه.

ونزل إسماعيل عن ولاية مصر لابنه توفيق، فحاول في أول الأمر أن يستجيب إلى دعوة المصلحين، فوعد بإقامة الحكم النيابي، وعين البارودي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015