في كثير من سياسته، وخاصة من حيث الجيش وتسريحه.
فلما تخرج البارودي في المدرسة الحربية لم يجد عملًا؛ ولكنه لم يخلد إلى الراحة؛ بل أخذ توًّا يعمل في ميدان جديد، هو ميدان الشعر العربي، وسُرعان ما تيقظت مواهبه فيه. ونراه يقول إنه ورثه من قِبَل أمه:
أنا في الشعر عريق ... لم أرثه عن كلاله
كان إبراهيم خالي ... فيه مشهور المقاله
وشَعَرَ من أول الأمر أنه لا بد له من التمرين والإعداد، فانكب على صحف الشعر العربي يحاول أن يتخذ لصوته منها سندًا وإطارًا، ولم يعجبه الشعر الرديء الذي كان يعاصره وما يتصل به مما نُظم في عهود الركود القريبة، فانطلق يبحث عن غايته في شعر العصر العباسي وما سبقه في العصرين الجاهلي والإسلامي، ولم يلبث أن وجد طلبته وما يملك عليه لُبَّه، وكلما ازداد قراءة في هذا الشعر القديم ازداد به شغفًا وإعجابًا.
وهذا الطموح الذي جعله يتجاوز ما في عصره من شعر مسف إلى ما في العصور القديمة من شعر خصب رائع هو فرع من طموح واسع في نفس الفتى، وقد دفعه هذا الطموح إلى البحث عن بيئة جديدة غير بيئته، كما بحث في الشعر عن عصر جديد غير عصره، فسافر إلى الآستانة، واشتغل بوزارة الخارجية فيها، وثَقِف هناك آداب اللغتين الفارسية والتركية، ونظم فيهما بعض أشعاره، وظل ينظم في العربية، وأتاحت له مكتبات الآستانة وما فيها من ذخائر الشعر العربي فرصة ذهبية جديدة؛ ليتزود من دواوين العباسيين ومَن سبقوهم من الإسلاميين والجاهليين.
وفي هذه الأثناء زار إسماعيل الآستانة سنة 1863 ليشكر أولي الأمر فيها على تقليده ولاية مصر، فتعرف على البارودي، وقَرُبَ من نفسه، فضمه إلى حاشيته، وأصبحت له مكانة أثيرة عنده، فلما عاد إلى مصر صحبه معه. وأخذ الحظ يبتسم له فعُيِّن في سلاح الفرسان، وما هي إلا فترة قليلة حتى سافر إلى