ولا تستطيع في أثناء هذا العبث أن تقرأ معنًى مبتكرًا؛ بل لا تستطيع أن تقرأ لفظًا جميلًا، فتلك مرتبة عليا كانت تستعصي على الشعراء في ذلك الحين. ومن الغريب أن معاصريهم مع هذا الإسفاف كانوا يعجبون بهم؛ لأن الذوق الفني كان واحدًا، وكان هذا الذوق عند الشاعر ومن يستمعون إليه لا يقوِّم الشعر تقويمًا صحيحًا؛ إذ كان يقومه بمقدار ما يتضمن من أغلال البديع والألعاب اللفظية المختلفة. فكان ذلك مقياس الشاعر والشاعرية، وكأنما أصبحت هذه الطرق الرديئة الملتوية هي كل المهارة التي تُطلب من الشعراء، فالناس لا يطلبون منهم ما يمتعون به أنفسهم أو يغذون به عواطفهم؛ إنما يطلبون هذا التكلف العقيم، وهو تكلف سقطت فيه حقائق الشعراء الذاتية، فقد أصبحوا أمثلة متشابهة، لا يتميز منهم شاعر عن شاعر لا بوجهة عاطفية، ولا بنزعة فكرية، ولا بسمة شخصية.