ويبدأ توفيق مسرحيته بنهاية الأسطورة، فإن شهرزاد كشفت لشهريار عن معارف لا تُحَد، وأصبح ظامئًا للمعرفة، ولم يعد يُعْنَى بالجسد ولذاته، فقد تحول عقلًا خالصًا يبحث عن الألغاز والأسرار حتى ليريد أن ينطلق من قيود المكان لعله يطَّلع على مصادر الأشياء وغاياتها، ويعرف كُنْهَهَا وحقائقها.
والمسرحية في سبعة فصول، ونلتقي في الفصل الأول بجلاد الملك وعبد أسود يحاوره في شأن الملك وما يقال عن خبله، وكيف يغدو إلى كاهن يطلب عنده حلًّا لبعض ألغازه، ونسمع بوزيره قمر. ويتراءى لنا العبد مثالًا للبوهيمية التي تقبع في داخله؛ إذ يرى عذراء مع الجلاد، فيقول: "ما أجمل هذه العذراء! وما أصلح جسدها مأوى! " ويتحول متسائلًا عن شهرزاد.
وننتقل إلى الفصل الثاني، فنجد قمرًا الوزير مع الملكة في قاعتها، ونعرف من الحوار أنه يحبها محبة العابد لمعبوده لا محبة العاشق لمعشوقته، فقد سما بعواطفه إزاءها سموًّا بعيدًا، وهي تعرف ذلك وتعبث به، ويخشى أن تكتشف سره، فينقل الحديث معها إلى الملك على هذا النحو:
قمر: إني ... أردت أن أقول: إنك غيَّرتِه، وإنه انقلب إنسانًا جديدًا منذ عرفكِ.
شهرزاد: إنه لم يعرفني.
قمر: لقد قلت لك قبل اليوم: إن الملك بفضلك قد أمسى أيضًا لغزًا مغلقًا أمامي، وكأنما كُشف لبصيرته عن أفق آخر لا نهاية له، فهو دائمًا يسير مفكرًا باحثًا عن شيء، منقبًا عن مجهول، هازئًا بي كلما أردت اعتراض سبيله إشفاقًا على رأسه المكدود.
شهرزاد: أتسمِّي هذا فضلًا يا قمر؟
قمر: وأي فضل يا مولاتي، فضل من نقل الطفل من طور اللعب بالأشياء إلى طور التفكير في الأشياء.
ويُشيد قمر بحبها للملك، فتعترضه قائلة:
ما أبسط عقلك يا قمر! أتحسبني فعلت ما فعلت حبًّا للملك؟