الحب. وتتضح لهما الحقيقة، فتُفسد واقعهما، ويعود ميشلينا إلى الكهف مؤثرًا للموت كما يعود جميع رفقائه، وقد رأوا أنهم لا يستطيعون استئناف الحياة في هذا الواقع الجديد، وبذلك ينهزم الواقع أو الإنسان أمام الزمن أو أمام هذا الشيء الغيبي الغامض الذي يسمى الحقيقة.
وعلى هذا النحو بدأ توفيق كتابة المأساة مؤمنًا بأن قوة تسيطر على الإنسان، فهو لا يعيش وحده في الكون؛ بل تسيطر عليه قوة إلهية عُلْوية، توجهه وتوحي إليه، وتدفعه يمينًا أو شمالًا. وتوفيق في ذلك يخضع لروحنا الشرقية المتدينة التي تؤمن بالقوى الغيبية المهيمنة على الناس. وأخذت تنبثق في نفسه هذه الروح لا بشعورها الديني فحسب؛ بل بشعورها الصوفي الذي يُعْلِي الروح والقلب على المادة والعقل. ويتبين ذلك في مأساته الثانية "شهرزاد" التي مثَّل في بطلها "شهريار" الصراع بين الإنسان والمكان، فقد استنفد في صاحبته كل ما أراد من متاع ولذة، وتحول قلقًا ظامئًا يريد معرفة الكون وأسراره. وهنا يبدأ الصراع العنيف بين الإنسان الشقي بقصور فهمه وبين حقائق العالم وأسراره. ويحاول شهريار أن يرحل عن واقعه ومكانه ناشدًا للمعرفة، ولكن لا يلبث أن يعود، فهو لا يستطيع فرارًا من مادته، ويصطدم بخيانة شهرزاد، وينتهي إلى حال شاذة.
وعلى هذا النحو لن يستطيع الإنسان أن يخلص من مكانه وزمانه والقوى الغيبية التي تسيطر عليه، وإن خيرًا للعالم أن يعتصم بقيم الشرق الروحية؛ بل إن علينا أن نحارب العقل الغربي الذي يؤمن بالمادة وحدها، وينفي عن عالمنا قيمه الروحية الجميلة. وبهذه الروح الشرقية مضى يكتب قصته "عصفور من الشرق" وفيها يقول: "وما صنع لنا العلم وماذا أفدنا منه؟ الآلات التي أتاحت لنا السرعة وماذا أفدنا من هذه السرعة؟ البطالة التي تلم بعُمَّالنا وإضاعة ما يزيد من وقت فراغنا فيما لا ينفع".
وأتاح له عمله في النيابة وفي مراكز ريفية مختلفة أن يكتب "يوميات نائب في الأرياف"، وفيه وصَف وصفًا دقيقًا ريفنا، وكيف أن أهله لا يفهمون مدلول