معروفة للشورى عليهم، كما لم يمنع كيفية من كيفياتها الموجبة لبلوغ المراد منها. فالشورى واجب شرعي، وكيفية إجرائها غير محصورة في طريق معين. فاختيار الطريق المعين باقٍ على الأصل من الإباحة والجواز كما هو القاعدة في كل ما لم يرد نص بنفيه أو إثباته. غير أنا إذا نظرنا إلى الحديث الشريف الذي رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو "كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يُؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يَفْرِقون رءوسهم، فسدل النبي ناصيته، ثم فَرَق بعد" نُدِبَ لنا أن نوافق في كيفية الشورى ومناصحة أولياء الأمر الأمم التي أخذت هذا الواجب نقلًا عنا وأنشأت له نظامًا مخصوصًا، متى رأينا في الموافقة نفعًا ووجدنا منها فائدة تعود على الأمة والدين، وإلا اخترنا من الكيفيات والهيئات ما يلائم مصالحنا ويطابق منافعنا ويثبِّت بيننا قواعد العدل وأركانه؛ بل وجب علينا إذا رأينا شكلًا من الأشكال مجلبة للعدل أن نتخذه ولا نعدل عنه إلى غيره، كيف وقد قال ابن قيم الجوزية ما معناه: إن أمارات العدل إذا ظهرت بأي طريق كان، فهناك شرع الله ودينه، والله تعالى أحكم من أن يخص طرق العدل بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منه وأبين. فتألف من مجموع هذا أن الشورى واجبة، وأن طريقها مُناط بما يكون أقرب إلى غايات الصواب وأدنى إلى مظان المنافع ومجالبها. على أنها إن كانت في أصل الشرع مندوبة فقاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان تجعلها عند مسيس الحاجة إليها واجبة وجوبًا شرعيًّا. ومن هنا تعلم أن نزوع بعض الناس إلى طلب الشورى ونفورهم من الاستبداد ليس واردًا عليهم من طريق التقليد للأجانب ... بل ذلك نزوع إلى ما هو واجب بالشرع، ونفور عما منعه الدين، وقبحه العلماء، وشهدوا من آثاره المشئومة ما عرفوا به قبح سيرته ووخامة عقباه".

وهذه القطعة من المقال تصور لك ما حدث من تطور في أسلوب محمد عبده، فقد أصبح أسلوبًا طبيعيًّا، وهو أسلوب يعتمد على جزالة اللفظ، بالضبط كما كان يعتمد أسلوب البارودي في الشعر على رصانة الكلمات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015