الاستئناف، ثم عين مفتيًا للديار المصرية في سنة 1899، وظل في هذه الوظيفة إلى وفاته.

وأخذ بعد عودته يُعْنَى بالإصلاح الديني والاجتماعي، فكان يكتب في ذلك مقالات مختلفة بالمقتطف والأهرام والمنار "صحيفة تلميذه ومريده الشيخ رشيد رضا"، وكان يدرس للأزهريين وتلاميذه المختلفين كتابي عبد القاهر الجرجاني في البلاغة: "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة". وألقى كثيرًا من المحاضرات في تفسير القرآن الكريم تفسيرًا يتمشى وروح العصر، وأطلق لنفسه في هذا التفسير حريتها، فلم يتقيد فيه بأحد من قبله. ومما يذكر له أنه حاول إصلاح الأزهر وطرق التعليم فيه وعمل على أن يجمع طلابه بين علوم الدين والعلوم العصرية، وأيضًا مما يذكر له عمله على إنشاء الجمعية الخيرية الإسلامية، وجمعية إحياء الكتب العربية. وكانت قد هبَّت في أواخر القرن الماضي عاصفة من الغرب ضد الإسلام وتعاليمه، فوقف كثيرًا من مقالاته على تصحيح آراء القوم والرد عليها، ومقالاته ضد "هانوتو" معروفة.

ولا نبالغ إذا قلنا: إنه أكبر مصلح ديني عرفته الأمم الإسلامية في عصرها الحديث، فقد كان واسع الأفق بصيرًا بتعاليم الإسلام وغاياته السامية، وكان يدعو دعوة جريئة إلى تحرير الفكر من كل تقليد، وأن نفهم الدين على طريقة السلف في عصر الصحابة والتابعين الأولين قبل أن يظهر الخلاف بين المذاهب الإسلامية المختلفة. وكان يعجب بالمعتزلة وآرائهم؛ لأنه رآهم متحررين في أفكارهم. وقد دعا أيضًا إلى العلم الحديث، فالدين الصحيح لا يخالف العلم وحقائقه الثابتة؛ بل إنه يدعو إلى البحث في أسرار الكون واكتشاف قوانينه، وكان ذلك يُعَد في عصره ثورة على الدين ورجاله الذي رانَ عليهم غير قليل من الجمود.

وكان بعد منفاه يهادن الإنجليز، مثله مثل كثير من المصريين الذين يئسوا من خروجهم، وربما كان ذلك زَلته الوحيدة؛ ولكن من غير شك كان ينشد الحرية الفكرية، وظل يجاهد من أجلها طوال حياته، وهو بحق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015