الأوربية، وما يتصل بها من حياة عملية وفنية تطبيقية. وثانيًا: لم تنتقل إلينا في هذا التعليم طوال النصف الأول من القرن الماضي الحياة الأدبية الأوربية؛ لأن والي مصر لم يكن يُعْنَى بها، فلم يَبْدُ لها أي أثر في شعرنا ونثرنا.
وقد يرجع ذلك إلى طبيعة النوعين من العلم والأدب؛ فإن العلم من السهل نقله ونقل قوانينه وقضاياه، أما الأدب فمن الصعب أن ينقل أو أن تفيد منه أمة، إلا إذا وضحت بينها وبين الأمم التي تنقل عنها علاقات أدبية تساعد على النقل وأن تتبادل معها آدابها التي تعبر عن روحها وبيئتها ومزاجها وذوقها؛ إذ الآداب تخضع لهذه العناصر كلها خضوعًا شديدًا، ومن هنا كان عسيرًا أن يتذوق المصري مع نهضته العلمية حينئذ الأدبَ الغربي وأن يصدر عنه في أدبه، فذلك يحتاج إلى آماد وجهود أوسع، ولا بد أن نتأنَّى حتى تصطبغ طبقة من المصريين بالأدب الغربي والروح الغربية، أو حتى تصطبغ حياتنا نفسها بهذا الأدب وتلك الروح.
ولم تنتظر مصر طويلًا؛ فقد عُنِيَ محمد علي منذ سنة 1826 للميلاد بإرسال البعوث الكبيرة، فاختلطت طائفة من الشباب المصري -على رأسها رفاعة الطهطاوي- بحياة الغربيين، وأخذت تقرأ هناك في الأدب الغربي، وتفيد وتجتني اللذة الفنية الخالصة.
وعاد رفاعة فشارك في حركة الترجمة العلمية التي أوجدتها الضرورة المدرسية؛ حتى يعرف المصريون العلم الأوربي. ثم أنشأ محمد علي مدرسة الألسن؛ لتخدم هذه الحاجة، وعيَّن رفاعة ناظرًا لها، ولم يلبث أن تأسس قلم للترجمة سنة 1842، وتولى رفاعة رياسته.
ولكن هذا كله كان في سبيل خدمة التيار العلمي الغربي، ولم تؤثِ الثمرة المرجوة من البعوث أكلها في ميادين الأدب والحياة الأدبية؛ بل ظلت مصر طوال النصف الأول من القرن الماضي لا تُعْنَى إلا بالعلم الأوربي، سواء فيما تدرس وفيما تترجم؛ بل لقد استمرت على ذلك طوال عصر سعيد.
ولم يأتِ عصر إسماعيل حتى خطت مصر خطوات واسعة نحو الامتزاج