لأنفسهم بتأثير التراث اليوناني والروماني أدبًا جديدًا يخالف أدبهم في العصور الوسطى، وكانوا في أول الأمر يقلدون الآثار اليونانية واللاتينية، ثم أخذوا يستقلون في حياتهم الأدبية كما استقلوا في حياتهم العقلية، وإذا هم يحدثون آثارًا رائعة لا تقل روعة وبراعة عن الآثار القديمة عند شعراء التمثيل من الإغريق، وعند هوميروس اليوناني وفرجيل الروماني.
وكان ذلك جميعه ثورات عقلية وأدبية لم تلبث أن عاونتها ثورات دينية وأخرى سياسية واجتماعية على نحو ما هو معروف في الثورة الفرنسية.
ولما نزلت بمصر حملة بونابرت تنبَّه المصريون إلى أن وراء حياتهم حياة أخرى في أوربا، وأنه حري بهم أن يفقهوا هذه الحياة الجديدة حتى يتسلحوا لأهلها بمثل سلاحهم. ومن المؤكد أن الفترة القليلة التي قضتها الحملة الفرنسية بمصر لم تتح لنا تأثرًا بالحضارة الأوربية للفوارق الواسعة بين حضارتنا الأوربيين؛ ولكن من المؤكد أيضًا أننا أخذنا بعد خروج الحملة من ديارنا نتجه إلى أوربا، ونحاول أن نفيد منها في الحياة العقلية والأدبية، فقد أدارت مصر وجهها إلى الشمال، وأخذت تفتح أنهارها الذهنية والفكرية لاستقبال جداول الحياة العقلية الأوربية.
وتصادف أن اجتمع مع هذه الرغبة في نفوس المصريين رغبة محمد علي في أن يُعِدَّ جيشًا على نمط جيوش الدول الأوربية الكبرى، ورأى أنه لا يستطيع أن يعد هذا الجيش إعدادًا حسنًا إلا إذا أنشأ له المدارس، واستقدم له أساتذة أوربيين يعلمونه في هذه المدارس، ويزودونه بما يحتاج إليه من وسائل، فأنشأ المدرسة الحربية، وأنشأ لها معاهد صناعية وطبية، وأخذ في تأسيس مدارس ابتدائية وثانوية.
ومنذ هذا التاريخ وُجِدَ في مصر نوعان من الحياة العقلية: نوع تقليدي محافظ في الأزهر، وهو نفس هذا النوع الذي وصفناه آنفا بما فيه من قصور وجفاف، ونوع مدني أوربي يعتمد اعتمادًا على الحضارة الأوربية وما عرف الأوربيون من علم لم يسبق للمصريين أن علموه أو عرفوه.
وهنا نلاحظ أشياء: فأولًا: انتقلت إلينا في هذا التعليم المدني الحياة العلمية