وتدخل الإذاعة في حياة أدبائنا، وترافقها هذه الضرورات الصحفية، فالوقت محدود، والجمهور أكثره من الطبقات العامة؛ بل لعل الإذاعة تتقدم الصحافة في ذلك، فالصحف لا يقرؤها إلا من يحسنون القراءة، أما الإذاعة فيسمعها القارئون والأميون، وهي لذلك تحتاج تبسيطًا أوسع مما تحتاجه الصحافة.
وكل هذا يحدث تغيرات جوهرية في أدبنا الحديث، وهي تغيرات لم يكن يعرفها أدبنا قبل هذه الحقبة الأخيرة؛ بحيث نستطيع أن نقول: إنه نشأ عندنا أدب صحافي وإذاعي لم يكن يعرفه أسلافنا، وهو أدب سريع ليس فيه عمق وليس فيه تأنٍّ ولا إبداع إلا ما يأتي عفوًا. ويتناول هذا الأدب جميع فنوننا الحديثة من مقالة وقصة ومسرحية، وكلها تطبع بطابع السرعة والمسافة القصيرة في الزمان والمكان.
وينبغي ألا نعمم في أحكامنا، فإن بين أدبائنا طائفة ظلت تحاول الاحتفاظ بحريتها وجودة إنتاجها، قد تشترك في هذا الأدب السريع؛ ولكنها تحاول جاهدة أن تحتفظ له بقيم الفن السامية، وكأنها لا تريد أن تنزل إلى الجمهور؛ بل تريد أن ترفعه إليها مستهدية بمثل الفن العليا وغاياته الرفيعة من الخير والحق والجمال.
وهذه الطائفة هي التي تحتل الصفوف الأولى في حياتنا الأدبية المعاصرة، وهي التي تمثل أدبنا المصري بمعناه التام، فهو أدب يُستقى من مصدرين: الأدب العربي القديم والأدب العربي الحديث، ويحيلهما غذاء عقليًّا وروحيًّا قد شقي أصحابه فيه، وأرَّقوا ليلهم في كتابته، وبذلوا فيه صفوة أيامهم وخلاصة حياتهم.